بديع الزمان سعيد نور

(1)

كبلدٍ يُعَدُّ مهدًا للعظماء والأفذاذ، شهِدت تركيا عبر تاريخها الطويلِ الكثيرَ من المجاهدين الأبطال والمجددين النبغاء والرجال العظماء!! جميعهم عاشوا فيها حياةً كريمةً مع وافر الاحترام والتقدير والإجلال، ولقَوا كلَّ الدعم والتسهيل للمضي في طريق الحق الذي سلكوه.. ورغم أن السنوات الخمس والعشرين التي خلت كانت على عكس هذه الصورة تمامًا، إذ كانت حقبةً سوداء لقينا فيها أقسى أنواع الظلم، إلا أنها أهدت إلينا رجلًا يتحلى بعبقريةٍ فذَّةٍ وفضيلةٍ نادرةٍ ونورٍ وضَّاء؛ عَرَكتْه التجارب والمِحَن، وسَما بعَظَمةِ إيمانه، وبلغ بجلالة قضيته أصقاعَ الدنيا.. لقد أضاء نورُه الكثيرَ من الضمائر المظلمة، وألهمت قوتُه الشَّجاعةَ لكثيرٍ من أهل الإيمان الضعفاء، وألهبت عبقريتُه الكثيرَ من المواهب الخامدة.. فمَن عسى أن يكون هذا الرجل العظيم سوى بديع الزمان سعيد نور؟!

إن الرجال الذين تلقَّوا على يديه دروس الفضيلة والتضحية بعد أن ضلوا السبيل وجدوا أنفسهم في واحاتٍ من النور والسعادة، وإن هذا الرجل المهيب الذي يحمل بين جنبيه من قوة الإيمان بقدر ما يحمل من العبقرية والجَلَد، كان الشخصَ الوحيد الذي تصدى للظلم والاستبداد الممتد على مدى خمسٍ وعشرين سنةً من غير أن يُوجَف له قلب، وقارعَه بشجاعةٍ إيمانيةٍ لا تعرف الرهبة والوجَل.

ولم يستطع العالَم الإسلامي مقاومة جاذبية هذا القطب، فرجلُ النور هذا المولودُ في قريةٍ نائيةٍ مَنسيَّةٍ بشرقيِّ تركيا قد سطع ضياؤه حتى بلغ أقاصي باكستان وأندونيسيا، فازداد ألقًا وازددنا به تألُّقًا؛ إلا أن ما يثير الأسف والأسى أن هذا الرجل المبارك المبجَّل الذي عاش بين ظهرانينا، وكسانا المجد والشرف، وأنار قلوبنا المظلمة، وردَّ التائهين