الفصل الثالث الهجر الجميل

سنة 1923م/1340 هـ

التوجه إلى «وان»

«توجهت إلى مدينة «وان». وهناك قبل كل شيء ذهبت إلى زيارة مدرستي المسماة بـ«خُورْخُورْ» فرأيت أن الأرمن قد أحرقوها مثلما أحرقوا بقية البيوت الموجودة في «وان» أثناء الاحتلال الروسي.. صعدت إلى القلعة المشهورة في «وان» وهي كتلة من صخرة صلدة تضم تحتها مدرستي الملاصقة لها تماماً، وكانت تمرّ من أمامي أشباح أولئك الأصدقاء الحقيقيين والإخوة المؤنسين من طلابي في مدرستي الذين فارقتهم قبل حوالي سبع سنوات خلت، فعلى إثر هذه الكارثة أصبح قسم من أولئك الأصدقاء الفدائيين شهداء حقيقيين وآخرون شهداء معنويين، فلم أتمالك نفسي من البكاء والنحيب.. صعدت إلى قمة القلعة وارتقيتها وهي بعلو المنارتين ومدرستي تحتها، وجلست عليها أتأمل، فذهب بي الخيال إلى ما يقرب من ثماني سنوات خلَتْ وجال بي في ذلك الزمان، لما للخيال من قوة ولعدم وجود ما يحول بيني وبين ذلك الخيال ويصرفني عن ذلك الزمان، إذ كنت وحيداً منفرداً.

شاهدت تحولاً هائلاً جداً قد جرى خلال ثماني سنوات حتى إنني كلّما كنت أفتح عيني أرى كأن عصراً قد ولّى ومضى بأحداثه. رأيت أن مركز المدينة المحيطة بمدرستي -الذي هو بجانب القلعة- قد أحرق من أقصاه إلى أقصاه ودمّر تدميراً كاملاً. فنظرت إلى هذا المنظر نظرة حزن وأسى.. إذ كنت أشعر بالفرق الهائل بين ما كنت فيه وبين ما أراه الآن، وكأن مائتي سنة قد مرّت على هذه المدينة.. كان أغلب الذين يعمّرون هذه البيوت المهدّمة أصدقائي، وأحبّة أعزّاء عليّ.. فلقد توفّي قسم منهم بالهجرة من المدينة وذاقوا مضاضتها، تغمدهم الله جميعاً برحمته. حيث دُمّرت بيوت المسلمين في المدينة كليّاً ولم تبق إلّا محلة الأرمن، فتألمت من الأعماق، وحزنت حزناً شديداً ما لو كان لي ألف عين لكانت تسكب الدموع مدراراً.

كنت أظن أنني قد نجوت من الاغتراب حيث رجعت إلى مدينتي، ولكن -ويا للأسف- لقد رأيت أفجع غربة في مدينتي نفسها؛ إذ رأيت مئات من طلابي وأحبتي الذين أرتبط بهم روحياً -كعبد الرحمن المار ذكره…- رأيتهم قد أهيل عليهم التراب والأنقاض، ورأيت أن منازلهم أصبحت أثراً بعد عين، وأمام هذه اللوحة الحزينة تجسّد معنى هذه الفقرة لأحدهم والتي كانت في ذاكرتي منذ زمن بعيد إلّا أنني لم أكن أفهم معناها تماماً:

لَوْ لَا مُفَارَقَةُ الأحْبَابِ مَا وَجَدَتْ لَهَا الْمَنَايَا إلى أرْوَاحِنَا سُبُلاً

أي إن أكثر ما يقضي على الإنسان ويهلكه إنما هو مفارقة الأحباب.

نعم، إنه لم يؤلمني شيء ولم يبكني مثل هذه الحادثة، فلو لم يأتني مددٌ من القرآن الكريم ومن الإيمان لكان ذلك الغم والحزن والهمّ يؤثر فيّ إلى درجة تكفي لسلب الروح منيّ. لقد كان الشعراء منذ القديم يبكون على منازل أحبتهم عند مرورهم على أطلالها فرأيت بعيني لوحة الفراق الحزينة هذه.. فبكت روحي وقلبي مع عيني بحزن شديد كمن يمرّ بعد مائتي سنة على ديار أحبّته وأطلالها..

عند ذلك مرّت الصفحات اللطيفة اللذيذة لحياتي أمام عيني وخيالي واحدة تلو الأخرى بكل حيوية، كمرور مشاهد الفلم السينمائي.. تلك الحياة السارة التي قضيتها في تدريس طلابي النجباء بما يقرب من عشرين سنة، وفي هذه الأماكن نفسها، التي كانت عامرة بهيجة وذات نشوة وسرور، فأصبحت الآن خرائب وأطلالاً. قضيت فترة طويلة أمام هذه اللوحات من حياتي، وعندها بدأت أستغرب من حال أهل الدنيا، كيف أنهم يخدعون أنفسهم، فالوضع هذا يبيّن بداهة أن الدنيا لا محالة فانية، وأن الإنسان فيها ليس إلّا عابر سبيل، وضيف راحل. وشاهدت بعينيّ مدى صدق ما يقوله أهل الحقيقة:

«لا تنخدعوا بالدنيا فإنها غدّارة.. مكّارة.. فانية..».

ورأيت كذلك أن الإنسان ذو علاقة مع مدينته وبلدته بل مع دنياه كما أن له علاقة مع جسمه وبيته، فبينما كنت أريد أن أبكي بعينيّ لشيخوختي -باعتبار وجودي- كنت أريد أن أجهش بالبكاء بعشرة عيون لا لمجرد شيخوخة مدرستي، بل لوفاتها، بل كنت أشعر أنني بحاجة إلى البكاء بمائة عين على مدينتي الحلوة الشبيهة بالميتة.

لقد ورد في الحديث الشريف أن مَلَكاً ينادي كل صباح: «لِدُوا للمَوتِ وَابنُوا للخَرَاب» كنت أسمع هذه الحقيقة، أسمعها بعينيّ لا بأذني، ومثلما أبكاني وضعي في ذلك الوقت، فإن خيالي منذ عشرين سنة يذرف الدموع أيضاً كلّما مرّ على ذلك الحال. نعم إن دمار تلك البيوت في قمة القلعة التي عمّرت آلاف السنين، واكتهال المدينة التي تحتها خلال ثماني سنوات، حتى كأنه قد مرّت عليها ثمانمائة سنة، ووفاة مدرستي -أسفل القلعة- التي كانت تنبض بالحياة والتي كانت مجمع الأحباب.. تشير إلى وفاة جميع المدارس الدينية في الدولة العثمانية. وتبين العظمة المعنوية لجنازتها الكبرى، حتى كأن القلعة التي هي صخرة صلدة واحدة، قد أصبحت شاهدة قبرها. ورأيت أن طلابي -رحمهم الله جميعاً- الذين كانوا معي في تلك المدرسة -قبل ثماني سنوات- وهم راقدون في قبورهم، رأيتهم كأنهم يبكون معي، بل تشاركني البكاء والحزن حتى بيوت المدينة المدَمَّرة، بل حتى جدرانها المنهدّة وأحجارها المبعثرة.

نعم، إنني رأيت كُل شيء وكأنه يبكي، وعندئذٍ علمت أنني لا أستطيع أن أتحمّل هذه الغربة في مدينتي، ففكرت إما أن أذهب إليهم في قبورهم أو عليّ أن أنسحب إلى مغارة في الجبل منتظراً أجلي، وقلت مادام في الدنيا مثل هذه الفراقات والافتراقات التي لا يمكن أن يُصبر عليها، ولا يمكن أن تقاوم، وهي مؤلمة ومحرقة إلى هذه الدرجة، فلا شك أن الموت أفضل من هذه الحياة، ويرجح على مثل هذه الأوضاع التي لا تطاق.. لذا ولّيت وجهي سارحاً بنظري إلى الجهات الست.. فما رأيت فيها إلّا الظلام الدامس، فالغفلة الناشئة من ذلك التألم الشديد والتأثر العميق أرتنى الدنيا مخيفة مرعبة، وأنها خالية جرداء وكأنها ستنقض على رأسي. كانت روحي تبحث عن نقطة استناد وركن شديد أمام البلايا والمصائب غير المحدودة التي اتخذت صورة أعداء ألدّاء. وكانت تبحث أيضاً عن نقطة استمداد أمام رغباتها الكامنة غير المحدودة والتي تمتد إلى الأبد. فبينما كانت روحي تبحث عن نقطة استناد، وتفتش عن نقطة استمداد، وتنتظر السلوان والتسرّي من الهموم والأحزان المتولدة من الفراقات والافتراقات غير المحدودة والتخريبات والوفيات الهائلة، إذا بحقيقة آية واحدة من القرآن الكريم المعجز وهي: ﴿سَبَّحَ لِلّٰهِ مَا فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِۚ وَهُوَ الْعَز۪يزُ الْحَكيم ﴿1 لَهُ مُلْكُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِۚ يُحْي۪ وَيُميتۚ وَهُوَ عَلٰى كُلِّ شَيْءٍ قَد۪يرٌ﴾ (الحديد:1-2) تتجلى أمامي بوضوح وتنقذني من ذلك الخيال الأليم المرعب، وتنجيني من ألم الفراق والافتراق، فاتحةً عيني وبصيرتي. فالتفتُّ إلى الأثمار المعلقة على الأشجار المثمرة وهي تنظر إلى مبتسمة ابتسامة حلوة وتقول لي: «لا تحصرنَّ نظرك في الخرائب وحدها.. فهلّا نظرت إلينا، وأنعمت النظر فينا..».

نعم، إن حقيقة هذه الآية الكريمة تنبّه بقوة مذكّرةً وتقول: لِمَ يُحزنك إلى هذا الحدّ سقوط رسالة عامرة شيّدت بيد الإنسان الضيف على صحيفة مفازة «وان»، حتى اتخذت صورة مدينة مأهولة؟ فلِمَ تحزن على سقوطها في السيل الجارف المخيف المسمّى بالاحتلال الروسي الذي محا آثارها وأذهب كتابتها؟ إرفع بصرك إلى الباري المصوّر وهو ربّ كل شيء ومالكه الحقيقي، فناصيته بيده، وإن كتاباته سبحانه على صحيفة «وان» تُكتب مجدداً باستمرار بكمال التوهج والبهجة وإن ما شاهدته من أوضاع في الغابر والبكاء والنحيب على خلو تلك الأماكن وعلى دمارها وبقائها مقفرة إنما هو من الغفلة عن مالكها الحقيقي، ومن توهم الإنسان -خطأً- أنه هو المالك لها، ومن عدم تصوره أنه عابر سبيل وضيف ليس إلّا..

فانفتح من ذلك الوضع المحرق، ومن ذلك الخطأ في التصور بابٌ لحقيقة عظيمة، وتهيأت النفسُ لتقبلها -كالحديد الذي يدخل في النار لِيلين ويعطى له شكل معين نافع- إذ أصبحت تلك الحالة المحزنة وذلك الوضع المؤلم ناراً متأججة ألانت النفس، فأظهر القرآن الكريم لها فيض الحقائق الإيمانية بجلاء ووضوح تام من خلال حقيقة تلك الآية المذكورة حتى جعلها تقبل وترضخ».

وهجرتُ السياسة

«وقد مرت عليَّ حادثة جديرة بالملاحظة:

رأيت ذات يوم رجلاً عليه سيماء العلم يقدح بعالم فاضل، بانحياز مغرض حتى بلغ به الأمر إلى حد تكفيره، وذلك لخلاف بينهما حول أمور سياسية، بينما رأيته قد أثنى -في الوقت نفسه- على منافق يوافقه في الرأي السياسي!. فأصابتني من هذه الحادثة رعدة شديدة، واستعذت بالله مما آلت إليه السياسة وقلت: «أعوذ بالله من الشيطان والسياسة».

ومنذئذٍ انسحبت من ميدان الحياة السياسية.

« سؤال: لِمَ لا تهتم إلى هذا الحد بمجريات السياسة العالمية الحاضرة.. نراك لا تغيّر من طورِكَ أصلاً أمام الحوادث الجارية على صفحات العالم. أفترتاح إليها أم أنك تخاف خوفاً يدفعك إلى السكوت؟

الجواب: إن خدمة القرآن الكريم هي التي منعتني بشدة عن عالم السياسة بل أنستني حتى التفكر فيها. وإلّا فإن تأريخ حياتي كلها تشهد بأن الخوف لم يكبلني ولا يمنعني في مواصلة سيري فيما أراه حقاً. ثم ممَّ يكون خوفي؟ فليس لي مع الدنيا علاقة غير الأجل، إذ ليس لي أهل وأولاد أفكر فيهم، ولا أموال أفكر فيها، ولا أفكر في شرف الأصالة والحسب والنسب. ورحم الله من أعان على القضاء على السمعة الاجتماعية التي هي الرياء والشهرة الكاذبة، فضلاً عن الحفاظ عليها..

فلم يبق إلّا أجلي، وذلك بيد الخالق الجليل وحده. ومن يجرؤ أن يتعرض له قبل أوانه. فنحن نفضل أصلاً موتاً عزيزاً على حياة ذليلة.

ولقد قال أحدهم مثل سعيد القديم؛

 ونحن أُناسٌ لا تَوَسّطَ بَيْننا  لنا الصَدْرُ دونَ العالَمينَ أو القبرُ

إنما هي خدمة القرآن تمنعني عن التفكر في الحياة الاجتماعية السياسية، وذلك أن الحياة البشرية ما هي إلّا كركب وقافلة تمضي، ولقد رأيت بنور القرآن الكريم في هذا الزمان أن طريق تلك القافلة الماضية أدت بهم إلى مستنقع آسن، فالبشرية تتعثر في سيرها فهي لا تكاد تقوم حتى تقع في أوحال ملوثة منتنة.

ولكن قسماً منها يمضي في طريق آمنة.

وقسم آخر قد وجد بعض الوسائل لتنجيه -قدر المستطاع- من الوحل والمستنقع.

وقسم آخر وهم الأغلبية يمضون وسط ظلام دامس في ذلك المستنقع الموحل المتسخ.

فالعشرون من المائة من هؤلاء يلطخون وجوههم وأعينهم بذلك الوحل القذر ظناً منهم أنه المسك والعنبر، بسبب سُكرهم. فتارة يقومون وأخرى يقعون وهكذا يمضون حتى يغرقوا.

أما الثمانون من المائة، فهم يعلمون حقيقة المستنقع ويتحسسون عفونته وقذارته إلّا أنهم حائرون، إذ يعجزون عن رؤية الطريق الآمنة.

وهكذا فهناك علاجان اثنان إزاء هؤلاء:

أولهما: إيقاظ العشرين منهم المخمورين بالمطرقة.

وثانيها: إراءة طريق الأمان والخلاص للحائرين بإظهار نور لهم -أي بالإرشاد-.

فالذي أراه أن ثمانين رجلاً يمسكون بالمطرقة بأيديهم تجاه العشرين بينما يظل أولئك الثمانون الحائرون البائسون دون أن يُبصروا النور الحق، وحتى لو أبصروا فإن هؤلاء لكونهم يحملون في أيديهم عصا ونوراً معاً فلا يوثق بهم. فيحاور الحائر نفسه في قلق واضطراب: تُرى أيريد هذا أن يستدرجني بالنور ليضربني بالمطرقة؟. ثم حينما تتحطم المطرقة بالعوارض أحياناً، يذهب ذلك النور أيضاً أدراج الرياح أو ينطفئ.

وهكذا، فذلك المستنقع هو الحياة الاجتماعية البشرية العابثة الملوثة الغافلة الملطخة بالضلالة.

وأولئك المخمورون هم المتمردون الذين يتلذذون بالضلالة.

وأولئك الحائرون هم الذين يشمئزون من الضلالة ولكنهم لا يستطيعون الخروج منها، فهم يريدون الخلاص ولكنهم لا يهتدون سبيلاً.. فهم حائرون.

أما تلك المطارق فهي التيارات السياسية، وأما تلك الأنوار فهي حقائق القرآن فالنور لا تثار حياله الضجة ولا يقابل بالعداء قطعاً، ولا ينفر منه إلّا الشيطان الرجيم.

ولذلك، قلت: «أعوذ بالله من الشيطان والسياسة» لكي أحافظ على نور القرآن. واعتصمت بكلتا يدي بذلك النور، ملقياً مطرقة السياسة جانباً.

ورأيت أن في جميع التيارات السياسية -سواءً الموافقة منها أو المخالفة- عشاقاً لذلك النور.

فالدرس القرآني الذي يُلقى من موضع طاهر زكي مبرأ من موحيات أفكار التيارات السياسية والانحيازات المغرضة جميعها، ويُرشد إليه من مقام أرفع وأسمى منها جميعاً، لا ينبغي أن تحجم عنه جهة، ولا يكون موضع شبهة فئة، مهما كانت. اللهم إلّا أولئك الذين يظنون الكفر والزندقة سياسة فينحازون إليها. وهؤلاء هم شياطين في صورة أناسي أو حيوانات في أجساد بشر.

وحمداً لله فإنني بسبب تجردي عن التيارات السياسية لم أبخس قيمة حقائق القرآن التي هي أثمن من الألماس ولم أجعلها بتفاهة قطع زجاجية بتهمة الدعاية السياسية. بل تزيد قيمة تلك الجواهر القرآنية على مرّ الأيام وتتألق أكثر أمام أنظار كل طائفة».

« سؤال: لِمَ يتجنب سعيد الجديد تجنباً شديداً و إلى هذا الحد من السياسة؟

الجواب: لئلا يضحّي بسعيه وفوزه لأكثر من مليارات من السنين لحياة خالدة، من جراء تدخل فضولي لا يستغرق سنة أو سنتين من حياة دنيوية مشكوك فيها. ثم إنه يفر فراراً شديداً من السياسة، خدمةً للقرآن والإيمان والتي هي أجلّ خدمة وألزمها وأخلصها وأحقّها. لأنه يقول:

إنني أتقدم في الشيب، ولا علم لي كم سأعيش بعد هذا العمر. لذا فالأولى لي العمل لحياة أبدية. وهذا هو الألزم. وحيث إن الإيمان وسيلة الفوز بالحياة الأبدية ومفتاح السعادة الخالدة، فينبغي إذاً السعي لأجله. بيد أني عالم ديني، مكلف شرعاً بإفادة الناس، لذا أريد أن أخدمهم من هذه الناحية أيضاً. إلّا أن هذه الخدمة تعود بالنفع إلى الحياة الاجتماعية والدنيوية، وهذه ما لا أقدر عليها، فضلاً عن أنه يتعذر القيام بعمل سليم صحيح في زمن عاصف، لذا تخليت عن هذه الجهة وفضّلت عليها العمل في خدمة الإيمان التي هي أهم خدمة وألزمها وأسلمها. وقد تركت الباب مفتوحاً ليصل إلى الآخرين ما كسبته لنفسي من حقائق الإيمان وما جربته في نفسي من أدوية معنوية، لعلّ الله يقبل هذه الخدمة ويجعلها كفّارة لذنوب سابقة.

وليس لأحد سوى الشيطان الرجيم أن يعترض على هذه الخدمة، سواءً كان مؤمناً أو كافراً أو صدّيقاً أو زنديقاً، لأن عدم الإيمان لا يشبهه أمر، فلربما توجد لذة شيطانية منحوسة في ارتكاب الظلم والفسق والكبائر إلّا أن عدم الإيمان لا لذة فيه إطلاقاً، بل هو ألم في ألم، وعذاب في عذاب، وظلمات بعضها فوق بعض.

وهكذا فإن ترك السعي لحياة أبدية، وترك العمل لنور الإيمان المقدس، والدخول في ألاعيب السياسة الخطرة وغير الضرورية، في زمن الشيخوخة إنما هو خلاف للعقل ومجانبة للحكمة لشخص مثلي لا صلة له مع أحد، ويعيش منفرداً، ومضطراً إلى التحري عن كفارات لذنوبه السابقة، بل يعدّ ذلك جنوناً وبلاهة، بل حتى البلهاء يفهمون ذلك.

أما إن قلت: كيف تمنعك خدمة القرآن والإيمان عن السياسة؟

فأقول: إن الحقائق الإيمانية والقرآنية ثمينة غالية كغلاء جواهر الألماس، فلو انشغلت بالسياسة، لخطر بفكر العوام: أيريد هذا أن يجعلنا منحازين إلى جهة سياسية؟ أليس الذي يدعو إليه دعاية سياسية لجلب الأتباع؟ بمعنى أنهم ينظرون إلى تلك الجواهر النفيسة أنها قطع زجاجية تافهة، وحينها أكون قد ظلمت تلك الحقائق النفيسة، وبخست قيمتها الثمينة، بتدخلي في السياسة.

فيا أهل الدنيا! لِمَ لا تَدَعونَني وشأني، وتضايقونني بطرق شتى؟»

« قيل: لِمَ انسحبت من ميدان السياسة ولا تتقرب إليها قط؟.

الجواب: لقد خاض سعيد القديم غمار السياسة ما يقارب عشر السنوات علّه يخدم الدين والعلم عن طريقها، فذهبت محاولته أدراج الرياح، إذ رأى أن تلك الطريق ذات مشاكل، ومشكوك فيها، وأن التدخل فيها فضول -بالنسبة إليّ- فهي تحول بيني وبين القيام بأهم واجب، وهي ذات خطورة، وأن أغلبها خداع وأكاذيب. وهناك احتمال أن يكون الشخص آلة بيد الأجنبي دون أن يشعر. وكذا فالذي يخوض غمار السياسة إما أن يكون موافقاً لسياسة الدولة أو معارضاً لها، فإن كنت موافقاً فالتدخل فيها بالنسبة إليّ فضول ولا يعنيني بشيء، حيث إنني لست موظفاً في الدولة ولا نائباً في برلمانها، فلا معنى -عندئذٍ- لممارستي الأمور السياسية وهم ليسوا بحاجة إليّ لأتدخل فيها، وإذا دخلت ضمن المعارضة أو السياسة المخالفة للدولة، فلا بد أن أتدخل إما عن طريق الفكر أو عن طريق القوة؛ فإن كان التدخل فكرياً فليس هناك حاجة إليّ أيضاً، لأن الأمور واضحة جداً، والجميع يعرفون المسائل مثلي، فلا داعي إلى الثرثرة. وإن كان التدخل بالقوة، أي بأن أُظهر المعارضة بإحداث المشاكل لأجل الوصول إلى هدف مشكوك فيه، فهناك احتمال الولوج في آلاف من الآثام والأوزار، حيث يُبتَلى الكثيرون بجريرة شخص واحد. فلا يرضى وجداني الولوج في الآثام وإلقاء الأبرياء فيها بناء على احتمال أو احتمالين من بين عشرة احتمالات، لأجل هذا فقد ترك سعيد القديم السياسة ومجالسها الدنيوية وقراءة الجرائد مع تركه السيجارة».

سنة 1925م/1342 هـ

اعتقال ونفي

«عندما كنت منشغلا بإلقاء دروس في حقائق القرآن على طلابي في مدينة «وان» كانت حوادث «الشيخ سعيد» ([1]) تقلق بال المسؤولين في الدولة. وعلى الرغم من ارتيابهم من كل شخص، لم يمسوني بسوء، ولم يجدوا عليَّ حجة مادمت مستمراً في خدمة القرآن. ولكن ما إن قلت في نفسي: «ما لي وللآخرين!» وفكرت في نفسي فحسب، وانسحبت إلى جبل أرك لأنزوي في مغاراته الخربة، وأنجو بنفسي في الآخرة، إذا بهم يأخذونني من تلك المغارة  وينفونني من ولاية شرقية إلى أخرى غربية، إلى بوردور».

فبينما كان يقضي حياته في تلك المغارة في معتكفه على جبل أرك إذا بالثورة تندلع في الولايات الشرقية، فطلب منه قائد الثورة الشيخ سعيد استغلال نفوذه لإمداد الثورة إلا أنه رفض المشاركة وكتب رسالة إليه جاء فيها:

«إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة، فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام وضحّت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء، لذا لا يستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام، الأمة التركية وأنا أيضاً لا أستله عليهم».

[وعلى الرغم من الموقف الواضح للأستاذ النُّورْسِيّ من الثورة اعتقلته الحكومة مع رؤساء العشائر والمشايخ وأصحاب النفوذ في الولايات الشرقية، حتى وإن لم يكن لهم أي ضلع أو أي دور في هذه الحركة ونفتهم إلى غربي الأناضول]..

ومع هذا داهمت المفرزة العسكرية المغارة التي كان الأستاذ بديع الزمان منـزوياً فيها للعبادة، وأظهر قائدها تصرفاً قاسياً وخشناً تجاه الأستاذ، وكان رد فعل الأستاذ رداً قوياً وشجاعاً، وتكهرب الجو فجأة. وسرعان ما أخذوه معهم. وبعد أن مشوا مدة أقتربَ منهم بعض طلاب الأستاذ وبعض الأهلين وتحدثوا معه باللغة المحلية «بالكردية». وتوسلوا إليه ألّا يذهب مع الجندرمة مبدين استعدادهم لتهريبه إلى مكان آخر، أو إلى أي بلد إسلامي آخر، ولكنه لم يقبل وقال لهم إنه يذهب مع المفرزة بكامل رغبته، وأن الجنود هم بمثابة طلابه، ونصحهم بالرجوع إلى بيوتهم بسكون ولا داعي إلى القلق.  وهكذا حال دون حدوث مجابهة بين الأهالي والحكومة تراق فيها الدماء بسببه.

خاطرة في إسطنبول

«حينما أتيت إسطنبول منفياً، وقد كنت ذا علاقة مع دار الحكمة الإسلامية التابعة لديوان المشيخة الإسلامية حيث عملت فيها لخدمة القرآن، سألت: ما وضع المشيخة الإسلامية؟

ولكن وا مصيبتاه! فقد تلقيت جواباً ارتعدت روحي وقلبي وفكري منه وبكت بكاءً مراً، إذ أصبحت تلك الدائرة التي استنارت بأنوار الشريعة بمئات السنين، إعدادية البنات وموضع اللهو واللعب، وعندها غشيتني حالة روحية محزنة كأن الدنيا هدّمت على رأسي، فما حيلتي فلا حول لي ولا قوة ولا كرامة لي ولا ولاية لأدفع المصيبة، فتوجهت يائساً من كل شيء إلى أعتاب الألوهية أُطلقُ الآهات والزفرات. والتحقتْ بها آهاتُ وحسرات مَن احترقت أفئدتهم مثلي. ولا أتذكر هل استمددت لدعواتنا دعاء الشيخ الكيلاني وهمته أم لا؟ ولا جرم أن دعاءه وهمته هي التي ألهبت آهاتنا وأشعلتها فأحترق تلك الليلة  قسم من المشيخة التي كانت مقراً للأنوار منذ القدم إنقاذاً لها من الظلمات.

فتأسف الجميع إلّا أنا ومن مثلي ممن احترق فؤاده، حمدنا الله تعالى».

[ثم غادر إسطنبول بالباخرة التي مرت بإزمير فأنطاليا، ومن هناك أُخذ إلى بوردور]

 سنة 1926م/1343هـ

نفي إلى «بُورْدُورْ»

«كان المسؤولون في هذه المدينة يراقبون المنفيين مراقبة شديدة، وكان على المنفيين إثبات وجودهم بحضورهم مساء كل يوم لدى الشرطة إلا أنني وطلابي المخلصين استُـثْنِينَا من هذا الأمر ما دمت قائماً بخدمة القرآن، فلم أذهب لإثبات الحضور ولم أعرف أحداً من المسؤولين هناك. حتى إن الوالي شكا من عملنا هذا لدى «فوزي باشا»  عند قدومه إلى المدينة، فأوصاه: «احترموه! لا تتعرضوا له!». إن الذي أنطقه بهذا الكلام هو كرامة العمل القرآني ليس إلّا».

«وقبل تسع سنوات عندما أصرّ عليّ قسم من رؤساء العشائر المنفيين معي إلى «بوردور» على قبول زكاتهم كي يحولوا بيني وبين وقوعي في الذل والحاجة لقلة ما كان عندي من النقود، فقلت لأولئك الرؤساء الأثرياء: برغم أن نقودي قليلة جداً إلّا أنني أملك الاقتصاد، وقد تعودت على القناعة، فأنا أغنى منكم بكثير. فرفضتُ تكليفهم المتكرر الملح.. ومن الجدير بالملاحظة أن قسماً من أولئك الذين عرضوا عليّ زكاتهم قد غلبهم الدَّين بعد سنتين، لعدم التزامهم بالاقتصاد، إلّا أن تلك النقود الضئيلة قد كفتني -ولله الحمد- ببركة الاقتصاد إلى ما بعد سبع سنوات، فلم يُرق مني ماء الوجه، ولم يدفعني لعرض حاجتي إلى الناس، ولم يفسد عليّ ما اتخذته دستوراً لحياتي وهو «الاستغناء عن الناس»».

[ويظل في هذه المدينة سبعة أشهر، ويؤلف في هذه الفترة رسالة «المدخل إلى النور» يذكر في مقدمتها:]

إن هذه الرسالة مناظرة بين سعيد القديم وسعيد الجديد، تضم بين دفتيها ثلاثة عشر درساً من الحقائق الإيمانية التي هي بمرتبة الشهود المسكتة للنفس الأمارة، فهي أقرب إلى علم اليقين، نبعت مباشرة من القرآن المعجز البيان. هذا وإن المخاطب في جميع تلك الدروس سعيد الجديد…

إلى «إسبارطة»

يقول الأستاذ: «حينما استولت عليَّ الرغبة في إنقاذ نفسي وإصلاح آخرتي، وفترتُ عن العمل للقرآن -مؤقتاً- جاءتني العقوبة بخلاف ما كنت أقصده وأتوقعه، أي نُفيتُ من «بوردور» إلى منفى آخر.. إلى إسبارطة.

جئت إلى مدينة مباركة -قبل تسع سنوات- كان الموسم شتاءً فلم أتمكن من رؤية منابع الثروة وجوانب الإنتاج في تلك المدينة، قال لي مُفتيها رحمه الله: إن أهالينا فقراء مساكين. أعاد قوله هذا مراراً. أثّر فيّ هذا القول تأثيراً بالغاً مما أجاش عطفي، فبت أسترحم وأتألم لأهالي تلك المدينة فيما يقرب من ست سنوات. وبعد ثماني سنوات عدتُ إليها وهي في أجواء الصيف، وأجلت نظري في بساتينها فتذكرت قول المفتي رحمه الله فقلت متعجباً: «سبحان الله! إن محاصيل هذه البساتين وغلالها تفوق حاجة المدينة بأسرها كثيراً، وكان حرياً بأهاليها أن يكونوا أثرياء جداً! بقيت في حيرة من هذا الأمر.. ولكن أدركت بحقيقة لم تخدعني عنها المظاهر، فهي حقيقة أسترشد بها في إدراك الحقائق، وهي: أن البركة قد رفعت من هذه المدينة بسبب الإسراف وعدم الاقتصاد. مما حدا بالمفتي رحمه الله إلى القول: إن أهالينا فقراء ومساكين، برغم هذا القدر الواسع من منابع الثروة وكنوز الموارد.

نعم، إنه ثابت بالتجربة وبالرجوع إلى وقائع لا تحد بأن دفعَ الزكاة، والأخذ بالاقتصاد سببان للبركة والاستزادة. بينما الإسراف ومنع الزكاة يرفعان البركة.

توليت هناك العمل للقرآن العظيم كذلك.. ولكن بعد مرور عشرين يوماً على الخدمة القرآنية كثرت عليَّ التنبيهات من بعض المتخوفين، حيث قالوا: ربما لا يحبذ مسؤولو هذه البلدة عملك هذا! فهلَّا أخذت الأمر بالتأني والتريث؟!.. سيطر عليَّ الاهتمام بخاصة نفسي وبمصيري فحسب، فأوصيت الأصدقاء بترك مقابلتي وانسحبت من ميدان العمل.. وجاء النفي مرة أخرى.. فنفيت إلى منفى ثالث.. إلى «بارلا».


[1]  يذكر الملا حميد الذي لازم الأستاذ النورسي في «وان» وجبل «أرَك» هذا الحوار ذا المغزى العميق الذي جرى بين الأستاذ النورسي وحسين باشا وهو شيخ عشيرة «حيدران» عيّنه السلطان عبد الحميد الثاني برتبة ميرآلاي إبان إنشاء القوات الحميدية في شرقي الأناضول. وأحرز انتصارات باهرة على القوات الروسية والأرمنية وكبّدهم خسائر فادحة، فرفعته حكومة الاتحاد والترقي والسلطان رشاد إلى رتبة أمير اللواء، وقد ساعد على إنشاء مدارس في شرقي البلاد قبل الحرب العالمية، اشتهر بعدالته وتوقيره العلماء، وعقد مع الأستاذ النورسي عقد أخوة أخروية، وعلى الرغم من عدم تدخله في ثورة الشيخ سعيد پيران نفي مع غيرهم إلى قيصري ولكنه لم يتحمل حياة المنفى فهرب إلى سورية بعد سنتين وظل فيها سنة حتى جاءه المدعو «مدني» وأقنعه بالعودة إلى البلاد مدعياً أن الحكومة أصدرت قراراً بالعفو العام عن المنفيين. ولدى العودة مع إبنيه وفي أثناء أدائهم الصلاة أرداهم قتيلاً. رحمهم الله.

       يقول الملا حميد: «كنا مع الأستاذ في جبل أرك في صومعة خربة.. وذات يوم أتى حسين باشا مع اثنين من مرافقيه لزيارة الأستاذ، وبعد أن ربطوا أفراسهم بالأشجار الموجودة في باب الصومعة الخربة دخلوا على الأستاذ وجثوا أمامه في أدب جمّ وقبلوا يده. كان حسين باشا طويل القامة مهيب الهيئة متقلداً شارات وميداليات خاصة بالباشوات في ذلك الوقت. أخرج منديلاً فيه ما يقدر بنصف كيلو من الذهب ووضعه في موضع في الأرض. فسأله الأستاذ: «وما ذلك؟»

       قال: «فداك روحي، إنها زكاتي جئت بها إليكم، أخرجتها من خالص أموالي!»

       الأستاذ: «ألم تجد أحداً ممن حولك، من أقربائك، من قريتك، حتى أتيت بها إلى هاهنا؟»

       حسين باشا: «سيدي إن أقاربي ومن حولي كلهم أغنياء، لا فقير فيهم، فرأيت أنكم مستحقوها».

       الأستاذ: «لا يجوز نقل الزكاة. فلِمَ أتيت بها وتجاوزت كثيراً من القرى والأرياف!»

       حسين باشا: «يا سيدي! أرجو أن تقبل بضع قطع منها في الأقل وأنفقها على من معك من الطلاب».

       الأستاذ: «كلا لا يمكن هذا.. لا حاجة لي إلى الزكاة»..

       وهكذا ردّها ولم يقبلها وبعد قليل خاطبه حسين باشا قائلاً: «سيدي أودّ أن أستشيركم في أمر خاص، أرجو أن تأذن لطلابك بالخروج. لأني أريد أن أتحدث معكم حديثاً خاصاً».

       الأستاذ: «لا يمكن.. فهؤلاء، جزءٌ من كياني، لا يفارقونني. أوضح ما عندك».

       حسين باشا: «سيدي أرجو أن تأذن لنا بالثورة (مع الشيخ سعيد) فنحن مستعدون».

       الأستاذ: «لِمَ تقومون بالثورة؟ إن كان لزيد وعمرو ذنب فما ذنب غيرهما.. بل ستراق دماء المسلمين».

       حسين باشا: «لقد أهلكَنا الروس وقتلونا وأبادوا أموالنا وذرارينا، بينما ظل شرفنا مصاناً دون أن يمسّه أحد بسوء. ولكن الآن أصبح ديننا مهدداً وشرفنا معرضاً للهتك. فائذن لنا بالعصيان، فجنودنا المشاة والفرسان على أهبة الاستعداد».

       وبعد أن أوضح حسين باشا الأمر والحوادث المؤلمة، والأستاذ مطرق ومستغرق في التفكير، رفع الأستاذ رأسه وقال بكل لطف ولين: أيها الباشا تعال لنستشر ديوان أحمد الجزري ونفتحه متفائلين به. أتقبل ما يقوله الجزري؟

       الباشا: «نعم!»

       فاخرج الأستاذ الديوان من جيبه وفتحه متفائلاً به وإذا بهذا البيت أمامهم:

       هن زي ببف دَيري فه تين، قصدا كنيشتي هن دكن    نه ي زي فانم نه ي زي وانم من دَرَي خمار بس

       ويعني: منهم من يرجع من طريق الكنيسة ويدخل الإسلام ومنهم من يعود إلى معبد اليهود فيتهود، أما أنا فلست = من هؤلاء ولا من هؤلاء..

       قال الأستاذ: «أرأيت يا باشا. فأنا الآن لست منكم ولا منهم».

       حسين باشا: «يا أستاذ لقد أوهنت عزيمتي وأضعفت همتي. فلو عدت إلى عشيرتي سيقولون، جبن الباشا فتخلى عن العصيان».

       قال الأستاذ: «نعم، وليقولوا: جبن وخاف ولا يقولوا أراق الدم».

       وعندما ودّع الباشا الأستاذ كرّر عليه الأستاذ ثلاث مرات: لا ترق الدم يا باشا.. لا ترق الدم.. لا ترق الدم..

       وعاد حسين باشا إلى عشيرته وفرّق قواته، لذا لم تحدث أية حادثة في منطقة «وان».( ب) 1 ص 557.