ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ

  (ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍلاﺳﻢ ﺍلأﻋﻈﻢ)

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍلأﻭﻟﻰ: [لا ﺇﻟﻪ ﺇﻟّﺎ ﺍﻟﻠﻪ]

ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ، ﺗﻮﺣﻴﺪَ ﺍلأﻟﻮﻫﻴﺔ ﻭﺗﻮﺣﻴﺪَ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩﻳﺔ، ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ ﺑﺒﺮﻫﺎﻥ ﻗﻮﻱ ﻫﻮ:

ﺇﻧﻪ ﻳُﺸﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟَﻢ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍلأﺭﺽ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔً ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ.. ﻭﻧﺸﺎﻫﺪ ﺧـلاﻗﻴﺔً ﺣﻜﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ.. ﻭﻧﺸﺎﻫﺪ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻓﺘﺎﺣﻴﺔً ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ -ﺃﻱ ﺇﻋﻄﺎﺀ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ ﻳـلاﺋﻤﻪ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ ﻭﺇﻟﺒﺎﺳَﻪ ﻣﺎ ﻳـلاﺋﻤﻪ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﺓ- ﻭﻧﺸﺎﻫﺪ ﻭﻫّﺎﺑﻴّﺔ ﻭﺇﺣﺴﺎﻧﺎﺕ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﻡ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﻭﻫﺬﻩ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺗُﺜﺒﺖ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺟﻮﺏَ ﻭﺟﻮﺩ ﺭﺏٍّ ﺫﻱ ﺟـلاﻝ، ﻓﻌّﺎﻝٍ ﺧﻠّﺎﻕ ﻓﺘّﺎﺡ ﻭﻫّﺎﺏ، ﺑﻞ ﺗُﺸﻌﺮ ﺑﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺯﻭﺍﻝَ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻭﺗﺠﺪّﺩَﻫﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻳﺒﻴﻨﺎﻥ ﺃﻥَّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻫﻲ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕُ ﺃﺳﻤﺎﺀٍ ﻟﺼﺎﻧﻊ ﻗﺪﻳﺮ.. ﻭﻇـلاﻝُ ﺃﻧﻮﺍﺭِ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ.. ﻭﺁﺛﺎﺭُ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ.. ﻭﻧﻘﻮﺵُ ﻗﻠﻢ ﻗﺪَﺭﻩ ﻭﺻﺤﺎﺋﻒُ ﻗﺪﺭﺗﻪ.. ﻭﻣﺮﺍﻳﺎ ﺟﻤﺎﻝ ﻛﻤﺎﻟﻪ.

ﻭﺇﻥَّ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻳﺒﻴّﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻛﺘﺒﻪ ﻭﺻُﺤﻔﻪ ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺰﻟﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥَّ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻳﺜﺒﺘﻮﻥ ﻣﺮﺗﺒﺔَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﺘﺤﻘﻴﻘﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﻛﺸﻔﻴﺎﺗﻬﻢ.. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥُ ﻣﻊ ﻋﺠﺰﻩ ﻭﻓﻘﺮﻩ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻧﺎﻝ ﻣﻦ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﻭﺧﻮﺍﺭﻕ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﺧﺰﺍﺋﻦ ﺍﻟﺜﺮﻭﺓ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥَّ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺍلأﺯﻟﻲ، ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻛﺘﺒﻪ ﻭﺻﺤﻔﻪ، ﻭﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺸﻬﻮﺩ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺗﺤﻘﻴﻘﺎﺗﻬﻢ ﻭﻛﺸﻔﻴﺎﺗﻬﻢ، ﻭﻋﺎﻟﻢَ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟﻪ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ، ﻳﺘﻔﻘﻮﻥ ﺑﺎلإﺟﻤﺎﻉ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ.

ﻓﻤﻦ لا ﻳﻘﺒﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ ﺟﻞّ ﻭﻋـلا ﺇﻟﻬﺎً ﻭﻣﻌﺒﻮﺩﺍً، ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﺎ لا ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺍلآﻟﻬﺔ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺮ ﻧﻔﺴَﻪ ﻭﻳﻨﻜﺮ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻗﺎﻃﺒﺔ، ﻛﺎﻟﺴﻮﻓﺴﻄﺎﺋﻲ ﺍلأﺣﻤﻖ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: [ﻭﺣﺪﻩ]

ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺗﺒﻴّﻦ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺗﻮﺣﻴﺪٍ ﺻﺮﻳﺤﺔ. ﻧﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻳﺜﺒﺖ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﺗﺎﻣﺎً ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ، ﻭﻫﻮ:

ﺇﻧﻨﺎ ﻛﻠﻤﺎ ﻓﺘﺤﻨﺎ ﺃﻋﻴُﻨﻨﺎ ﻭﺻﻮّﺑﻨﺎ ﻧﻈﺮَﻧﺎ ﻓﻲ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ، ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮﻧﺎ -ﺃﻭﻝَ ﻣﺎ ﻳﻠﻔﺖ- ﻧﻈﺎﻡٌ ﻋﺎﻡ ﻛﺎﻣﻞ، ﻭﻣﻴﺰﺍﻥٌ ﺩﻗﻴﻖ ﺷﺎﻣﻞ.. ﻓﻜﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻡ ﺩﻗﻴﻖ، ﻭﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﻮﺯﻥ ﺑﻤﻴﺰﺍﻥ ﺣﺴﺎﺱ، ﻭﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻣﺤﺴﻮﺏٌ ﺣﺴﺎﺑُﻪ ﺑﺪﻗﺔ..

ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺩﻗﻘﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ، ﻳﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺗﻨﻈﻴﻢ ﻭﻭﺯﺍﻥ ﻣﺘﺠﺪﺩﺍﻥ، ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﻭﺍﺣﺪﺍً ﺃﺣﺪﺍً ﻳﻐﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﻡ ﻭﻳﺠﺪّﺩ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ.. ﻓﻴﺼﺒﺢ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻧﻤﻮﺫﺟﺎً ﻣﻮﺩﻳـلا ﺗُﺨﻠَﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻮﺭٌ ﻣﻮﺯﻭﻧﺔ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً..

ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺃﻧﻌﻤﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺃﻛﺜﺮ، ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﻋﺪﺍﻟﺔ ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺗﺸﺎﻫَﺪﺍﻥ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﻮِﺯﺍﻥ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﻛﻞَّ ﺣﺮﻛﺔ ﻭﻧﺄﻣﺔ ﺗﻌﻘﺒُﻬﺎ ﺣﻜﻤﺔٌ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ ﻭﻳﺮﺩﻓُﻬﺎ ﺣﻖٌ ﻭﻓﺎﺋﺪﺓ.

ﻭﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺩﻗﻘﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﺈﻧﻌﺎﻡ ﺃﻛﺜﺮ؛ ﺗﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮَ ﺷﻌﻮﺭﻧﺎ، ﻣﻈﺎﻫﺮُ ﻗﺪﺭﺓٍ ﺿﻤﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔٍ ﺣﻜﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﺟﻠﻮﺍﺕُ ﻋﻠﻢٍ ﻣﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ. ﺑﻞ ﻣﺤﻴﻂ ﺑﻜﻞ ﺷﺄﻥ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻧﻪ.. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩَﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﺎﻓﺔ، ﻳﺒﻴّﻨﺎﻥ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎً ﻭﻭﺯﺍﻧﺎً ﻋﺎﻣَّﻴﻦ ﺷﺎﻣﻠﻴﻦ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ. ﻭﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﻮﺯﺍﻥ ﻳﻈﻬﺮﺍﻥ ﺣﻜﻤﺔً ﻭﻋﺪﺍﻟﺔ ﺷﺎﻣﻠﺘﻴﻦ، ﻭﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺗﺒﻴﻨﺎﻥ لأﻧﻈﺎﺭﻧﺎ ﻗﺪﺭﺓ ﻭﻋﻠﻤﺎً. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻗﺪﻳﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻋﻠﻴﻤﺎً ﺑﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻳُﺮﻯ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺠﺐ.

ﺛﻢ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻧﻬﺎﻳﺘِﻪ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﻨﺮﻯ ﺃﻥ ﺑﺪﺍﻳﺎﺗِﻬﺎ ﻭﺃﺻﻮﻟَﻬﺎ ﻭﺟﺬﻭﺭَﻫﺎ، ﻭﻛﺬﺍ ﺛﻤﺮﺍﺗﻬﺎ ﻭﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﻭﻃﺮﺍﺯ ﺑﺤﻴﺚ ﻛﺄﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻮﻯ ﻭﺍلأﺻﻮﻝ ﺑﺮﺍﻣﺞُ ﻭﻓﻬﺎﺭﺱُ ﻭﺗﻌﺎﺭﻳﻒُ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺟﻤﻴﻊَ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻛﺬﺍ ﻳﺘﺠﻤﻊ ﻓﻲ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻭﻓﻲ ﺛﻤﺮﺗﻪ، ﻭﻳﺘﺮﺷﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻛﻠﻪ، ﻓﻴﻮﺩﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦَ ﺣﻴﺎﺗﻪ. ﻓﻜﺄﻥ ﻧﻮﺍﺓَ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺃﺻﻠُﻪ، ﺳﺠﻞٌ ﺻﻐﻴﺮ ﻟﺪﺳﺎﺗﻴﺮ ﺇﻳﺠﺎﺩﻩ، ﺃﻣﺎ ﺛﻤﺮﺍﺗُﻪ ﻓﻬﻲ ﻓﻲ ﺣُﻜﻢ ﻓﻬﺮﺱ لأﻭﺍﻣﺮ ﺇﻳﺠﺎﺩﻩ.

ﺛﻢ ﻧﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻇﺎﻫﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﺑﺎﻃﻨِﻪ، ﻓﻨﺸﺎﻫﺪ؛ ﺗﺪﺑﻴﺮﺍً ﻭﺗﺼﺮﻳﻔﺎً ﻟـلأﻣﻮﺭ ﻟﻘﺪﺭﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﺗﺼﻮﻳﺮﺍً ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﺎً لإﺭﺍﺩﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻗﻮﺓ ﻭﻗﺪﺭﺓ ﺗﻮﺟِﺪﺍﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻭﺃﻥ ﺃﻣﺮﺍً ﻭﺇﺭﺍﺩﺓ ﺗﻠﺒﺴﺎﻧﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓَ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻛﻠﻤﺎ ﺩﻗﻘﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮَ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻭﺑﺪﺍﻳﺘِﻪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻋﻠﻢ ﻋﻠﻴﻢ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺩﻗﻘﻨﺎ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺁﺧﺮﻩ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺑﺮﺍﻣﺞَ ﺻﺎﻧﻊ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺩﻗﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺣُﻠّﺔ ﺑﺪﻳﻌﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻟﻔﺎﻋﻞ ﻣﺨﺘﺎﺭ ﻣﺮﻳﺪ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﺎﻃﻦ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺷﺎﻫﺪﻧﺎ ﺟﻬﺎﺯﺍً ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻟﺼﺎﻧﻊ ﻗﺪﻳﺮ.

ﻓﻬﺬﻩ ﺍلأﻭﺿﺎﻉ ﻭﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﺗﻌﻠﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺍﻟﺒﺪﺍﻫﺔ؛ ﺃﻧﻪ لا ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﻲﺀٌ ﻭلا ﻭﻗﺖٌ ﻭلا ﻣﻜﺎﻥ ﺧﺎﺭﺝَ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ ﻭﺧﺎﺭﺝَ ﺗﺪﺑﻴﺮﻩ ﻭﺗﺼﺮﻳﻔﻪ ﺍلأﻣﻮﺭ. ﺑﻞ ﻛﻞُّ ﺷﻲﺀ ﻭﻛﻞُّ ﺷﺄﻥ ﻣﻦ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻳُﺪﺑّﺮ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﻗﺪﻳﺮ ﻣﺮﻳﺪ، ﻭﻳُﺠﻤّﻞ ﻭﻳُﻨﻈﻢ ﺑﻠﻄﻒ ﺭﺣﻤﻦ ﺭﺣﻴﻢ، ﻭﻳُﺤﺴّﻦ ﻭﻳﺰﻳّﻦ ﺑﺮﺣﻤﺔ ﺣﻨّﺎﻥ ﻣﻨّﺎﻥ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﻭﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻭﺍﻟﻮﺯﺍﻥ ﻓﻲ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ ﻳﺪﻝ ﺩلاﻟﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﺣﺪٍ ﺃﺣﺪٍ ﻓﺮﺩ ﻗﺪﻳﺮ ﻣﺮﻳﺪ ﻋﻠﻴﻢ ﺣﻜﻴﻢ، ﻭﻳﺮﻱ ﻣﺮﺗﺒﺔَ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﺎﻟﻜﺎً ﻟﺸﻌﻮﺭ ﻭﺑﺼﺮ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺗﻮﺟﺪ ﻭﺣﺪﺓ، ﻭﺍﻟﻮﺣﺪﺓُ ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ. ﻓﻤﺜـلا: ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﺮﺍﺝ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓٌ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﺣﺪٌ. ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﺜـلا -ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺨﺪَﻣﺔ لأﺣﻴﺎﺀ ﺍلأﺭﺽ- ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻫﺬﻩ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻭﻳﺴﺨّﺮﻫﺎ ﻟﻨﺎ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻳﻀﺎً.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: [لا ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ]

ﻟﻘﺪ ﺃُﺛﺒﺘﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍلأﻭﻝ ﻣﻦ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ» ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻭﺍﺿﺤﺎً ﺟﻠﻴﺎً. ﻟﺬﺍ ﻧﺤﻴﻞ ﺷﺮﺣﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻫﻨﺎﻙ، ﺇﺫ لا ﺑﻴﺎﻥ ﻳﻔﻮﻕ ﺑﻴﺎﻧﻪ، ﻭلا ﺩﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺎﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﺇﺫ لا ﻳﻮَﺿَّﺢ ﻣﺜﻠُﻪ ﻗﻂ.

  ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ: [ﻟﻪ ﺍﻟﻤﻠﻚ]

ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍلأﺭﺽ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍلآﺧﺮﺓ ﻭﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩ، ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺵ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ، ﻣﻦ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﺮﻳﺎ، ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ، ﻣﻦ ﺍلأﺯﻝ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺑﺪ ﻫﻮ ﻣﻠﻜﻪ. ﻓﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟﻠﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ.

ﻭﻟﻘﺪ ﺃُﻟﻘﻴﺖ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﻃﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﺟﺰ ﺧﺎﻃﺮﺓ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻟﻄﻴﻒ ﺑﻌﺒﺎﺭﺍﺕ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺃﺛﺒﺘُّﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻭﺃﺑﻴﻨُﻬﺎ ﺣُﺠﺔً ﻛﺒﺮﻯ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻌﻈﻤﻰ ﻟﻠﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍلأﻋﻈﻢ ﻟﻠﺘﻮﺣﻴﺪ:

[ﻟَﻪُ ﺍﻟْﻤُﻠْﻚُ ﻟِﺄَﻥَّ ﺫَﺍﻙَ ﺍﻟْﻌَﺎﻟَﻢَ ﺍﻟْﻜَﺒﻴﺮَ ﻛَﻬَﺬَﺍ ﺍﻟْﻌَﺎﻟَﻢِ ﺍﻟﺼَّﻐﻴﺮ، ﻣَﺼْﻨُﻮﻉُ ﻗُﺪْﺭَﺗِﻪ ﻣَﻜْﺘُﻮﺏُ ﻗَﺪَﺭِﻩ. ﺇِﺑْﺪَﺍﻋُﻪُ ﻟِﺬَﺍﻙَ ﺻَﻴَّﺮَﻩُ ﻣَﺴْﺠِﺪًﺍ. ﺇﻳﺠَﺎﺩُﻩُ ﻟِﻬَﺬَﺍ ﺻَﻴَّﺮَﻩُ ﺳَﺎﺟِﺪًﺍ. ﺇِﻧْﺸَﺎﺅُﻩُ ﻟِﺬَﺍﻙَ ﺻَﻴَّﺮَ ﺫَﺍﻙَ ﻣِﻠْﻜًﺎ. ﺇﻳﺠَﺎﺩُﻩُ ﻟِﻬَﺬَﺍ ﺻَﻴَّﺮَﻩُ ﻣَﻤْﻠُﻮﻛًﺎ. ﺻَﻨْﻌَﺘُﻪُ ﻓﻲ ﺫَﺍﻙَ ﺗَﻈَﺎﻫَﺮَﺕْ ﻛِﺘَﺎﺑًﺎ. ﺻِﺒْﻐَﺘُﻪُ ﻓﻲ ﻫَﺬَﺍ ﺗَﺰَﺍﻫَﺮَﺕْ ﺧِﻄَﺎﺑًﺎ. ﻗُﺪْﺭَﺗُﻪُ ﻓﻲ ﺫَﺍﻙَ ﺗُﻈْﻬِﺮُ ﺣِﺸْﻤَﺘَﻪُ. ﺭَﺣْﻤَﺘُﻪُ ﻓﻲ ﻫَﺬَﺍ ﺗُﻨَﻈِّﻢُ ﻧِﻌْﻤَﺘَﻪُ. ﺣِﺸْﻤَﺘُﻪُ ﻓﻲ ﺫَﺍﻙَ ﺗَﺸْﻬَﺪُ ﻫُﻮَ ﺍﻟْﻮَﺍﺣِﺪُ. ﻧِﻌْﻤَﺘُﻪُ ﻓﻲ ﻫَﺬَﺍ ﺗُﻌْﻠِﻦُ ﻫُﻮَ ﺍﻟْﺄَﺣَﺪُ. ﺳِﻜَّﺘُﻪُ ﻓﻲ ﺫَﺍﻙَ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻜُﻞِّ ﻭَﺍﻟْﺄَﺟْﺰَﺍﺀِ. ﺧَﺎﺗَﻤُﻪُ ﻓﻲ ﻫَﺬَﺍ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺠِﺴْﻢِ ﻭَﺍﻟْﺄَﻋْﻀَﺎﺀِ.]

ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍلأﻭﻟﻰ: «ﺫﺍﻙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ… ﺇﻟﺦ».

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢَ ﺍلأﻛﺒﺮَ ﺃﻱ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ، ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥَ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺻﻐﺮ ﻭﻣﺜﺎﻟﻪ ﺍﻟﻤﺼﻐﺮ، ﻳُﻈﻬﺮﺍﻥ ﻣﻌﺎً ﺩلاﺋﻞ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺴﻄّﺮﺓ ﻓﻲ ﺍلآﻓﺎﻕ ﻭﺍلأﻧﻔﺲ ﺑﻘﻠﻢ ﺍﻟﻘﺪَﺭ ﻭﺍﻟﻘُﺪﺭﺓ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻨﻤﻮﺫﺝ ﺍﻟﻤﺼﻐﺮ ﻟﻠﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻤﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﺇﺫ ﺗﺸﻬﺪ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ، ﺗﺸﻴﺮ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺠﻬﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺃﻳﻀﺎً ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺗﻪ، ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻜﺘﻮﺏٌ ﺭﺑﺎﻧﻲ ﺫﻭ ﻣﻐﺰﻯ ﻋﻤﻴﻖ، ﻭﻗﺼﻴﺪﺓٌ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﻟﻠﻘﺪﺭ ﺍلإﻟﻬﻲ، ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻗﺪَﺭﻳﺔ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺩُﺑﺠﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﻣﻜﺒﺮ. ﻓﻬﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺳﻜﺔ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻤﻀﺮﻭﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﺟﻬﺔ ﺑﺎﻟﻌـلاﻣﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ لا ﻳﺤﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻀﺮﻭﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺠﺎﻋﻞ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍﺗِﻬﺎ ﻛﻠِّﻬﺎ ﻣﺘﻌﺎﻭﻧﺔً ﻣﺘﻜﺎﺗﻔﺔ؟.

 ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: «ﺇﺑﺪﺍﻋﻪ ﻟﺬﺍﻙ… ﺇﻟﺦ».

ﺇﻥَّ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ ﺧﻠﻘﺎً ﺑﺪﻳﻌﺎً ﻭﻧﻘﺶ ﺁﻳﺎﺕ ﻛﺒﺮﻳﺎﺋﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺴﺠﺪ ﻛﺒﻴﺮ. ﻭﺃﻧﺸﺄ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ، ﻭﺍﻫﺒﺎً ﻟﻪ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﺑﺤﻴﺚ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺴﺠﺪ ﺳﺠﺪﺓَ ﺇﻋﺠﺎﺏ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻭﺑﺪﻳﻊ ﻗﺪﺭﺗﻪ. ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﺃﻩ ﺁﻳﺎﺕِ ﻛﺒﺮﻳﺎﺋﻪ، ﺣﺘﻰ ﺻﻴّﺮﻩ ﻋﺒﺪﺍً ﺳﺎﺟﺪﺍً ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺑﻤﺎ ﻏﺮﺯ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺗﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻪ. ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﺴﺎﺟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﺎﺑﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻏﻴﺮَ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ؟.

  ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: «ﺇﻧﺸﺎﺅﻩ ﻟﺬﺍﻙ… ﺇﻟﺦ».

ﺇﻥَّ ﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻗﺪ ﺃﻧﺸﺄ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻭﺟﻪَ ﺍلأﺭﺽ، ﺇﻧﺸﺎﺀً ﻛﺄﻧﻬﺎ ﺩﻭﺍﺋﺮٌ ﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﺑﻤﺎ لا ﺗﻌﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﻛﻞُّ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﺃﻭ ﺣﻘﻞ ﻳﺰﺭﻉ ﻓﻴﻬﺎ، ﻛﻞَّ ﻭﻗﺖ ﻭﻛﻞ ﻣﻮﺳﻢ ﻭﻛﻞ ﻋﺼﺮ، ﻭﻳﺤﺼﺪ ﻭﻳﺤﺼّﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻳُﺸﻐﻞ ﻣُﻠﻜَﻪ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻭﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺃﻣﻮﺭﻩ ﻛﻞ ﺣﻴﻦ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻪ ﺟﻌﻞ ﺃﻋﻈﻢ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺪﻭﺍﺋﺮ ﻭﻫﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻣﺰﺭﻋﺔً ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻳﺰﺭﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞَ ﺑﻘﺪﺭ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﻭﻳﺮﺳﻞ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻭﻣﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﻌﻠﻢ.

ﻭﺟﻌﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﺰﺭﻋﺔ ﻛﺬﻟﻚ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺰﺭﻉ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞَّ ﻣﻮﺳﻢ ﻭﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻋﻮﺍﻟﻢَ ﻭﺃﻧﻮﺍﻋﺎً ﺷﺘﻰ ﻭﻳﺤﺼﺪﻫﺎ ﻭﻳﺤﺼّﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺤﺎﺻﻴﻠﻬﺎ ﻛﻞَّ ﻓﺼﻞ ﻭﻣﻮﺳﻢ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻳﺒﻌﺜﻬﺎ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﻋﻮﺍﻟﻤﻪ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻭﺍلأﺧﺮﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺜﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ..

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﻤـلأ ﺑﺴﺘﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺍلأﺭﺽ -ﻭﻫﻮ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ- ﻳﻤـلأﻩ ﻣﺮﺍﺕ ﻭﻣﺮﺍﺕ ﺑﻞ ﺃﻟﻒ ﻣﺮﺓ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻭﻳﻔﺮﻏﻪ ﺑﺤﻜﻤﺘﻪ.

ﺛﻢ ﺇﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﺋﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺃﺻﻐﺮ -ﻛﺎﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺍلإﻧﺴﺎﻥ- ﻳﺤﺼﻞ ﻣﻨﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﺿﻌﻒ ﻭﺿﻌﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺤﺎﺻﻴﻞ.

ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻗﺪ ﺃﻧﺸﺄ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ -ﺟﺰﺋﻴّﻪ ﻭﻛﻠﻴّﻪ، ﺻﻐﻴﺮَﻩ ﻭﻛﺒﻴﺮﻩ- ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ «ﻣﻮﺩﻳﻞ» ﻳُﻠﺒﺴﻪ ﻣﺌﺎﺕ ﻣﻨﺴﻮﺟﺎﺕ ﺻﻨﺎﺋﻌﻪ ﺍﻟﻤﻨﻘﺸﺔ ﺑﻨﻘﻮﺵ ﻣﺘﺠﺪﺩﺓ ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍلأﺷﻜﺎﻝ ﻭﺍلأﻧﻤﺎﻁ. ﻣُﻈﻬِﺮﺍً ﺑﻪ ﺗﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﻣﻌﺠﺰﺍﺕ ﻗﺪﺭﺗﻪ. ﻭﺃﻧﺸﺄ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻣُﻠﻜﻪ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻳﻜﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ ﺑﻤﺌﺎﺕ ﺍلأﺷﻜﺎﻝ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﻩ، ﻣُﻈﻬﺮﺍً ﺑﻬﺎ ﺁﻳﺎﺗِﻪ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﻭﻳﺴﺘﻘﺮﺋﻬﺎ ﺃﻫﻞَ ﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ.

ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻧﺸﺄ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ ﻣُﻠﻜﺎً ﻟﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﺧﻠﻖ ﻫﺬﺍ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻤﻠﻮﻛﺎً ﻟﻪ ﻭﻣﻨﺤﻪ ﻣﻦ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺱ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍلأﻣﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻬﻮﻯ ﻭﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﻭﺍﻟﺸﻬﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﺹ ﻭﺍﻟﻄﻠﺐ، ﺑﺤﻴﺚ ﺟﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﻣﻤﻠﻮﻛﺎً ﻭﻋﺎﺑﺪﺍً ﻣﺤﺘﺎﺟﺎً ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻠﻜﻪ. ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤُﻠﻚ، ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺳﻴﺪﺍً ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻤﻠﻮﻙ، ﺳﻮﻯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺎﻟﻚ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠَّﻬﺎ ﺑﺪﺀﺍً ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﺭﺍﺕ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺟﺪﺍً ﺇﻟﻰ ﺟﻨﺎﺡ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ ﻣﻠﻜﺎً ﻭﻣَﺰﺍﺭِﻉَ، ﻭﺟﻌﻞ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻧﺎﻇﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﺳﻊ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﻣﻔﺘﺸﺎً ﻓﻴﻪ ﻭﻣﺰﺍﺭﻋﺎً ﻭﺗﺎﺟﺮﺍً ﻭﺩلالا ﻭﻋﺎﺑﺪﺍً ﻭﻣﻤﻠﻮﻛﺎً ﻭﺍﺗﺨﺬﻩ ﺿﻴﻔﺎً ﻋﺰﻳﺰﺍً ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻣﺨﺎﻃﺒﺎً ﻣﺤﺒﻮﺑﺎً؟

ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ: «ﺻﻨﻌﺘﻪ ﻓﻲ ﺫﺍﻙ… ﺇﻟﺦ».

ﺇﻥَّ ﺻﻨﻌﺔ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻐﺰﻳﺮﺓ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮﻫﺎ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻛﺘﺎﺏ ﺑﺪﻳﻊ، ﻣﻤﺎ ﺩﻓﻊ ﻋﻘﻞَ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻠﻬﺎﻡ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻨﻪ، ﻭﻳﻜﺘﺐ ﻣﻜﺘﺒﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﻓﻘﻪ. ﻓﺬﻟﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺒﺪﻳﻊ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻣﻮﺛﻮﻕ ﺍﻟﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻭﻣﺴﺘﻤﺪٌ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﺃُﻋﻠﻦ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻗﺮﺁﻥ ﺣﻜﻴﻢ -ﻣﻨﻈﻮﺭ- ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻧﺴﺨﺔٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﺒﻴﻦ.

ﻭﻣﺜﻠﻤﺎ ﺍﺗﺨﺬﺕ ﺻﻨﻌﺘُﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ ﺻﻮﺭﺓَ ﻛﺘﺎﺏ ﺑﻠﻴﻎ، ﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻧﺘﻈﺎﻣﻬﺎ، ﻛﺬﻟﻚ ﺗﻔﺘﺤﺖ ﺻﺒﻐﺘُﻪ ﻭﻧﻘﺶُ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ ﺯﻫﺮﺓِ ﺧﻄﺎﺏ.. ﺃﻱ ﺃﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺫﺍﺕُ ﻣﻐﺎﺯٍ ﺩﻗﻴﻘﺔ ﻭﺟﻤﻴﻠﺔ ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻧﻄﻘﺖ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺎﻛﻨﺔ ﺍﻟﺤﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ.. ﻭﺃﻥ ﻣﺎ ﺻﺒﻎ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺻﺒﻐﺔ ﺭﺑﺎﻧﻴﺔ ﺟﻌﻠﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺣﺴﻦ ﺗﻘﻮﻳﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻔﺘّﺤﺖ ﻋﻦ ﺯﻫﺮﺓ ﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺰﻫﺮﺓ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﻐﻴﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺠﺎﻣﺪ.. ﻓﻤﻨﺢ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺭﺃﺱ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﻥ ﺣﺘﻰ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺳﺎﻣﻴﺔ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ ﻋﻦ ﻣﺮﺍﺗﺐَ ﻛﺜﻴﺮﺓٍ ﻭﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﺃﻫّﻠﺘﻪ ﻟﻤﻮﺿﻊ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍلأﺯﻟﻲ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ، ﻣﻤﺎ ﻧﺎﻝ ﺭﻗﻴﺎً ﻭﺭﻓﻌﺔً ﻭﺳﻤﻮﺍً.

ﺃﻱ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺼﺒﻐﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻗﺪ ﻓﺘّﺤﺖ ﺯﻫﺮﺓَ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍلإﻟﻬﻲ.

ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥْ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖ ﺣﺪّ ﺍلإﺗﻘﺎﻥ ﻭﺍلاﻧﺘﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻛﺘﺎﺏ؟ ﻭﻫﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻏﻴﺮُﻩ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺒﻐﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻲ ﻓﻄﺮﺓ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻘﺖ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ؟! ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ.. ﻭﻛـلا.

ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ: «ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺫﺍﻙ… ﺇﻟﺦ».

ﺇﻥَّ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗُﻈﻬﺮ ﻋﻈﻤﺔَ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔُ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﻈّﻢ ﺍﻟﻨِﻌﻢ ﻓﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ، ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺻﻐﺮ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ ﻭﺍﻟﺠـلاﻝ- ﺃﻭﺟﺪﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠَّﻪ ﻛﺄﻧﻪ ﻗﺼﺮ ﻋﻈﻴﻢ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲَ ﻓﻴﻪ ﺳﺮﺍﺟﺎً ﻭﻫﺎﺟﺎً، ﻭﺍﻟﻘﻤﺮَ ﻗﻨﺪﻳـلا، ﻭﺍﻟﻨﺠﻮﻡَ ﻣﺼﺎﺑﻴﺢ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺳﻄﺢَ ﺍلأﺭﺽ ﺳُﻔﺮﺓ ﻣﺒﺴﻮﻃﺔ ﻟﻠﻄﻌﺎﻡ، ﻭﻣﺰﺭﻋﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻭﺑﺴﺘﺎﻧﺎً ﺯﺍﻫﻴﺎً، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻣﺨﺎﺯﻥ ﻭﻣﺴﺘﻮﺩﻋﺎﺕ، ﻭﺃﻭﺗﺎﺩﺍً ﻟﻠﺘﺜﺒﻴﺖ، ﻭﻗـلاﻋﺎً ﻋﻈﻴﻤﺔ.. ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺟﻌﻠﺖ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍلأﺷﻴﺎﺀ ﻟﻮﺍﺯﻡ ﻭﺃﺛﺎﺛﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻤﻨﻴﻒ، ﺑﻤﻘﻴﺎﺱ ﻣﻜﺒﺮ.. ﻭﺃﻇﻬﺮﺕ ﻋﻈﻤﺔُ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﺃﺳﺒﻐﺖ ﺭﺣﻤﺘُﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ -ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ- ﺻﻨﻮﻑَ ﻧﻌﻤِﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ، ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﻐﺮﻩ، ﻭﻧﻈّﻤﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺠﻤّﻠﺖ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﻃﺮﺍً ﺑﺎﻟﻨِﻌﻢ ﻭﺯﻳّﻨﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﻠﻄﻒ ﻭﺍﻟﻜﺮﻡ، ﺩﺍﻓﻌﺔ ﻫﺬﻩ ﺍلأﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺃﻥ ﺗﻘﺎﺑﻞ ﺗﻠﻚ ﺍلأﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﺠـلاﻝ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ. ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍلأﺟﺮﺍﻡ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ، ﻛﺎﻟﺸﻤﺲ ﻭﺍﻟﻌﺮﺵ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﻄﻖ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ: «ﻳﺎ ﺟﻠﻴﻞ.. ﻳﺎ ﻛﺒﻴﺮ.. ﻳﺎ ﻋﻈﻴﻢ ﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺃﻟﺴﻨﺔُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻌﻮﺽ ﻭ ﺍﻟﺴﻤﻚ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﺑ ﻳﺎ ﺟﻤﻴﻞ.. ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.. ﻳﺎ ﻛﺮﻳﻢ».. ﻣﻜﻮﻧﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﻧﻐﻤﺎﺕٍ ﻣﻨﺴﺠﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺳﻴﻘﻰ ﻛﺒﺮﻯ، ﺗﺰﻳﺪﻫﺎ ﺣـلاﻭﺓً ﻭﻟﺬﺓ.

ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺧﻞ ﻏﻴﺮُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ ﻭﺍلأﺻﻐﺮ، ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍلإﻳﺠﺎﺩ؟ ﺣﺎﺵَ ﻟﻠﻪ… ﻭﻛـلا.

  ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ: «ﺣﺸﻤَﺘﻪ ﻓﻲ ﺫﺍﻙ… ﺇﻟﺦ».

ﺇﻥَّ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻜﻮﻥ، ﺗﺜﺒﺖ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ ﺍلأﺭﺯﺍﻕ ﺍﻟﻤﻘﻨﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﻟﺠﺰﺋﻴﺎﺕ ﺫﻭﻱ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﺗﺜﺒﺖ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻭﺗﺪﻝ ﻋﻠﻴﻬﺎ.

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ ﻓﺘﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺍﺕ ﻣﻠﻚٌ ﻟﺼﺎﻧﻊ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﺗﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺻﺎﻧﻊ ﻭﺍﺣﺪ، ﻭﻛﻠﻬﺎ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﻣﻮﺟِﺪ ﻭﺍﺣﺪ.

ﺃﻣﺎ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﻓﻬﻲ ﺃﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺧﺎﻟﻖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

ﻓﻤﺜـلا: ﺇﻥ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ -ﺑﺼﻔﺔ ﺇﺣﺎﻃﺘﻪ ﺑﺴﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻓﺔ- ﻳﺒﻴﻦ ﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔ، ﻭﺃﻥَّ ﻭﺟﻮﺩ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﺃﻟﻮﺍﻧﻪ ﺍﻟﺴﺒﻌﺔ ﻭﺣﺮﺍﺭﺗﻬﺎ، ﻭﻇـلا ﻣﻦ ﻇـلاﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺟﺰﺀ ﺷﻔﺎﻑ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﻄﺮﺓ ﻣﺎﺀ ﻳﺒﻴﻦ ﻣﺜﺎﻝ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ. ﻭﻛﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺗﺠﻠﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺎﻧﻊ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ، ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻳﺒﻴﻦ ﻣﺜﺎﻝ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ.

ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺗﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﺮّﻑ ﺍلأﻣﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺳﺮﺍﺟﺎً ﻭﻫّﺎﺟﺎً ﻭﺧﺎﺩﻣﺔً لأﺣﻴﺎﺀ ﺍلأﺭﺽ. ﻭﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍلأﺭﺿﻴﺔ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻣﻬﺪﺍً ﻟـلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﻣﻨﺰلا، ﻭﻣﺘﺠﺮﺍً ﻟﻬﺎ. ﻭﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻃﺒﺎﺧﺔ ﻭﺻﺪﻳﻘﺔ ﻣﺴﺘﻌﺪﺓ ﻟﻠﻘﻴﺎﻡ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﻭﺍﻟﺴﺤﺎﺏ ﻣﺼﻔﺎﺓ ﻟﻠﻬﻮﺍﺀ ﻭﻣﺮﺿﻌﺔ ﻟـلأﺣﻴﺎﺀ، ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻣﺨﺎﺯﻥ ﻭﻣﺴﺘﻮﺩﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻣﺮﻭّﺣﺎً ﻟـلأﻧﻔﺲ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺱ، ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﺒﻌﺜﺎً ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻭﻛﺎلأﻡ ﺍﻟﺮَﺅﻭﻡ ﻟـلأﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﺠﺪﺩ. ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺗﺒﻴﻦ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺗﺎﻡ.

ﻧﻌﻢ، ﻣﻦ ﺫﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﺴﺨﺮﺓً ﻟﺴﻜﻨﺔ ﺍلأﺭﺽ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ؟ ﻭﻣﻦ ﺫﺍ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ ﻳﻤﺴﻚ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﻳﺴﺨﺮﻩ ﻓﻲ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻭﻋﻠﻰ ﺳﻄﺢ ﺍلأﺭﺽ ﻛﺎﻓﺔ؟ ﻭﻣﻦ ﻏﻴﺮُ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍلأﺣﺪ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻃﺒﺎﺧﺔ ﻟـلأﺣﻴﺎﺀ ﻭﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻠﺘﻬﻢ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﺣﺠﻤﻬﺎ ﺑﺂلاﻑ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕ؟ ﻭﻫﻜﺬﺍ.. ﻓﻜﻞ ﺷﻲﺀ ﻭﻛﻞ ﻋﻨﺼﺮ ﻭﻛﻞ ﺟﺮﻡ ﺳﻤﺎﻭﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺫﻱ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﻴﺒﺔ.

ﻓﻜﻤﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﻳﺔُ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺠـلاﻝ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ، ﺗﻌﻠﻦ ﺍﻟﻨﻌﻤﺔُ ﻭﺍلإﺣﺴﺎﻥ ﺍلأﺣﺪﻳﺔَ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ، لأﻥ ﺍلأﺣﻴﺎﺀ ﻭلاﺳﻴﻤﺎ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻤﺘﻘﻨﺔ، ﻳﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺍلأﺟﻬﺰﺓ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻌﺮﻑ ﺃﻧﻮﺍﻉَ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﻌﺪ ﻭلا ﺗﺤﺼﻰ، ﻭﺗﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﻭﺗﻄﻠﺒﻬﺎ. ﺣﺘﻰ ﺣﻈﻲ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﺑﺘﺠﻠﻴﺎﺕ ﺃﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻛﻠﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻛﻠﻪ، ﻭﻛﺄﻧﻪ ﺑﺆﺭﺓ ﺗُﻈﻬﺮ ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﺩﻓﻌﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻲ ﻣﺮﺁﺓ ﻣﺎﻫﻴﺘﻪ، ﻓﻴﻌﻠﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﺍلأﺣﺪﻳﺔ ﺍلإﻟﻬﻴﺔ.

  ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ: «ﺳﻜّﺘﻪ ﻓﻲ ﺫﺍﻙ… ﺇﻟﺦ».

ﺃﻱ ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻠﺼﺎﻧﻊ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﺳﻜﺔً ﻛﺒﺮﻯ ﻭﻋـلاﻣﺔ ﻋﻈﻤﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﻛﺒﺮ ﻛﻠﻪ، ﻛﺬﻟﻚ ﻭﺿﻊ ﺳﻜﺔَ ﻭﺣﺪﺍﻧﻴﺘﻪ ﻭﻋـلاﻣﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺃﺟﺰﺍﺀ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻋﻪ ﺃﻳﻀﺎً.. ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻪ ﻭﺿﻊ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ -ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍلأﺻﻐﺮ- ﻭﻋﻠﻰ ﺟﺴﻤﻪ ﻛﺬﻟﻚ، ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻋﻀﻮ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺋﻪ.

ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﺮ ﺫﺍ ﺍﻟﺠـلاﻝ، ﻭﺿﻊ ﺁﻳﺔ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺟﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻠّﻲ ﻭﺍﻟﺠﺰﺋﻲ، ﻓﺎﻟﻨﺠﻮﻡ ﻭﺍﻟﺬﺭﺍﺕ، ﺗﺸﻬﺪ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﻭﺿﻊ ﺧﺘﻢ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻟﻴﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ.

ﻭﺣﻴﺚ ﺇﻥَّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻗﺪ ﺃﺛﺒﺘﺖ ﺇﺛﺒﺎﺗﺎً ﻗﺎﻃﻌﺎً ﻓﻲ «ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ» ﻭ«ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ» ﻭ«ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻭﺍﻟﺜـلاﺛﻴﻦ»، ﻧﺤﻴﻞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻭﻧﺨﺘﻤﻪ ﻫﻨﺎ.