490

كما شُكِّلتْ لجنةٌ من بضعةِ موظَّفين دُعِيَتْ لجنةَ الخبراء كانتْ مُهمَّتُها النظر في رسائل النور ومراسلات الأستاذ المصادَرة، والتدقيق فيما إذا كانت تحتوي على مواضيع سياسية؛ وما إن باشرت اللجنة عملَها حتى أعلن بديع الزمان قائلًا: «لا يمكن للجنةِ الخبراء هذه التي ليس لها من اسمها نصيب أن تدقِّق في رسائل النور.. فلْتُشكَّل لجنةُ خبراء علميةٌ رفيعةُ المستوى في أنقرة، ولْيُؤتَ بالفلاسفة من أوروبا، فإن وجدوا فيها جُرمًا رضيتُ بأشدِّ العقوبات».

وبناءً على طلبه هذا أُحيلتْ كُلِّيَّاتُ رسائل النور ومراسلات الأستاذ على لجنة خبراء مؤلَّفةٍ من كبار العلماء وأساتذة الجامعة في أنقرة، فدقَّقوها سطرًا سطرًا، ثم أصدروا تقريرهم الذي ينُصُّ على أنه «ليس لبديع الزمان نشاطٌ سياسي، ولا وجود لما يسمى الطريقة الصوفية أو المنظمة في مسلكه، وأنَّ مؤلفاتِه عبارةٌ عن كتبٍ علميةٍ وإيمانية، وهي مجرَّد تفسيرٍ للقرآن»؛ وتَبيَّن أن الاتهامات المقدَّمة إلى المحكمة لم تكن سوى أمورٍ مدبَّرةٍ وذرائع ملفَّقة لا تقوم على سندٍ ولا دليل.

وفي النتيجة أدلى بديع الزمان بدفاعٍ باهر، وأصدرت المحكمةُ أخيرًا قرار البراءة بالإجماع رقم 136 / 199 بتاريخ 16/ 6/ 1944م، وقضت برفع الحظر عن رسائل النور بأجزائها المئة والثلاثين، وبردِّ جميع النُّسَخ المُصادَرة إلى أصحابها، وصدَّقتْ دائرةُ التمييز الجزائيةُ الأولى قرار البراءة بالإجماع بتاريخ 30/ 12/ 1944م، واكتسبتْ حقَّانيةُ دعوى رسائل النور صفةَ القضية المُبرَمة.

وبناءً على قرار البراءة هذا أُطلِق سراح بديع الزمان وعددٍ من طلابه بعد أن لَبِثوا في السجن تسعة أشهر، على أن الأستاذ النُّورْسِيّ كان قد سُمِّم أثناء سجنه حتى شارف على الموت لولا أن العناية الإلهية أنقذتْه، ولقي في سجنه من الظلم والإيذاء ما لم يَلْقَه أحدٌ قبلَه، لكن لم يكن ذلك ليثنيَه عن الصَّدع بالحق والحقيقة دون خوفٍ ولا وَجَل، ولا