174

نُشِرَتْ هذه الرسالةُ، وأُطْلِعَ القائدُ العام الإنكليزي في اسطنبول على مضمونها، وأُخبِر بأن بديع الزمان دائبٌ في مقاومة الإنكليز لا يتوانى في التصدي لهم، فقرر هذا القائد المتغطرس إعدامَه ومحوَ أثره، إلا أن بعض مَن أشاروا عليه حذَّروه من أنه إنْ فعل ذلك فإن شرقيَّ الأناضول سيُضمِر عداوةً أبديَّةً للإنكليز، وستُعلِن حينئذٍ عشائرُه الثورةَ مهما كلَّف الثمن، فتراجع عن قراره ولم يستطع فعل شيء.

وفي مقابل مساعي الإنكليز المحمومة في اسطنبول لاستمالةِ شيخ الإسلام وبعض العلماء إلى صفِّهم بالمكر والحيلة، كان بديع الزمان -برسالته «الخطوات الست»، وبنشاطاته الحثيثة في اسطنبول- يكشف حقيقةَ العدواة التاريخية للإنكليز تجاه الأتراك وسائر العالم الإسلامي، ويفضح مكائدَهم وسياستَهم الاستعمارية، فكان بذلك أحد أهم الجهات التي ساندتْ حركةَ التحرير الوطنية في الأناضول؛ وفيما يلي مقتطفٌ من كلامه بهذا الخصوص:

«حين كان الإنكليز يحتلون اسطنبول ويدمِّرون المدافع في مَضِيقها، وَجَّه رئيس أساقفة الكنيسة الأنجليكانية -وهي أكبر هيئةٍ دينيةٍ في إنكلترة- ستةَ أسئلة إلى المشيخة الإسلامية، وكنت في ذلك الحين عضوًا في «دار الحكمة الإسلامية»، فقيل لي: أجِبْهم.. إنهم يريدون جوابًا على أسئلتهم الستة بستمئة كلمة؛ فقلت: لن أجيبهم بستمئة كلمة، ولا بِسِتِّ كلمات، بل ولا حتى بكلمةٍ واحدة، وإنما أجيبُهم ببصقةٍ في وجوههم؛ فإنكم تشاهدون أن هذه الدولة ما إن وطئت أقدامُها مَضِيْقَنا وأَخذَتْ بخِناقنا، حتى راح رئيس أساقفتها يوجِّه إلينا الأسئلة بصلفٍ وغرور؛ فلا يلزمه إلا البصاق في وجهه، ابصقوا في وجوه هؤلاء الظَّلَمةِ العُتاة».

***