164

وإن هذه الدولة الإسلامية التي نهضتْ منذ القديم بفرض الجهاد الكفائي، إعلاءً لكلمة الله، وحفاظًا على استقلالِ العالَم الإسلامي، وحملتْ راية الخلافة، وبذلت التضحيات لأجل العالَم الإسلامي ذي الجسد الواحد، ستُعوَّضُ بدلًا من المصيبة التي حلَّتْ بها سعادةً يَرْفُلُ بها عالَم الإسلام في المستقبل؛ ذلك أن هذه المصيبة قد حرَّكتْ مشاعر الأُخوَّة الإسلامية التي هي روحُ حياتنا وإكسيرُها، وعجَّلَتْ ببعثِها بشكلٍ لم يسبق له مثيل، إذْ بينما كنا نتألم كان العالم الإسلامي يبكي، ولو زادتْ أوروبا في إيلامها لضَجَّ العالم الإسلامي؛ فلئن مُتنا فسنموت عشرين لكنْ سنُبعَثُ ثلاثمئة، [يقصد تعداد المسلمين في الدولة العثمانية مع تعدادهم في سائر أنحاء العالَم الإسلامي؛ هـ ت] فنحن في عصر الخوارق، وفيه مَن بُعِث بعد الموت بسنتين أو ثلاث.

لقد خسِرنا بهزيمتنا سعادةً عاجلةً مؤقتةً، لكنْ تنتظرنا سعادةٌ آجلةٌ دائمة، وإن مَن يستبدِل بالحال الجزئية المتحوِّلة المحدودة مستقبَلًا رحبًا فسيحًا رابح.

وإذا بصوتٍ من طرف المجلس يقول: أوضِح.

قلت: إن الحروب قد تحولت من حروبٍ بين الدول والأقوام إلى حروبٍ بين طبقات البشر، فكما يرفض الإنسان أن يكون أسيرًا، يرفض كذلك أن يكون أجيرًا.

ولعلنا لو كنا منتصرين لانجرفنا أشدَّ الانجراف في تيار الاستبداد الموجود لدى خصومنا وأعدائنا، والحال أنه تيارٌ ظالمٌ ينافي طبيعةَ العالم الإسلامي، ويخالف مصلحةَ الأكثرية المطلقة من أهل الإيمان، فضلًا عن أن عمره قصير ومآله التمزق، فلو كنا آخذين به لَسُقنا العالَم الإسلامي إلى طريقٍ ينافي طبيعتَه وفطرتَه؛ ولكُنَّا مُلزَمين بأن نحميَ في أرجاء آسيا تلك المدنيَّةَ الخبيثةَ التي لم نجد منها سوى الضرر، والتي تغلِب سيئاتُها حسناتِها، وترفُضُها الشريعة، وتقضي فيها مصلحةُ البشر بالنسخ، وتحكم عليها صحوتُهم بالانقراض.. إنها مدنيةٌ بدائيَّةٌ في معناها، متوحِّشةٌ جائرةٌ، تعجُّ بالرذائل.