234

ألا ليس في العالم كلِّه حكومةٌ تسمح بهذه المعاملة التي تتجاوز القانون ولا يقبلُها إنسان، فلستُ الوحيدَ الذي يستاء ويسخَط من هذه المعاملة السيئة، بل هي معاملةٌ يستاء منها ويَسخَط نوعُ البشر لو أدرك، بل الكونُ كلُّه.

الإشارة الثالثة:

سؤالٌ مُغالِطٌ يَنُمُّ عن حُمق:

يقول بعضُ أهل الحكم: ما دمتَ تقيم في هذه البلاد فعليك الانقيادُ لقوانينها بنظامها الجمهوري، فلماذا تُعفي نفسَك من هذه القوانين بذريعةِ العزلة؟!

فمثلًا: إنَّ قوانين الحكومة اليوم تنصُّ على أن تقلُّدَ المزيَّة والفضيلة خارج نطاق الوظيفة الرسمية، وتحقيقَ النفوذ والهيمنة على الناس من خلالهما، أمرٌ ينافي مبدأ المساواة الذي هو أحد أسس الجمهورية؛ فلماذا تتقلد صفةَ من يريد أن يُقبِل الناس عليه ويصغوا إليه؟! ولماذا تجعلهم يُقبِّلون يدك مع أنك لست ذا وظيفةٍ في الدولة؟

الجواب: إن على من يطبِّق القانون أن يطبِّقه على نفسه أولًا لِيُمكِنَه تطبيقُه بعد ذلك على الآخرين، وإن تطبيقَكم دستورًا ما على الآخرين دون أنفسكم معناه أنكم أوَّلُ مَن يخرِق القانون ويخرج عليه.

وبما أنكم تريدون أن تطبِّقوا عليَّ قانون المساواة المطلقة فإني أقول لكم: متى ارتفع الجندي إلى المقام الاجتماعي الذي يتمتع به المشير، وشاركه في الاحترام والمكانة التي يوليها الناسُ إياه، وصار مثلَه في إقبالهم عليه وتقديرهم له؛ أو متى صار ذلك المشير مثلَ ذلك الجندي العادي وتقلَّد أحوالَه البسيطة المتواضعة، ولم تبق له أهميةٌ خارج نطاق وظيفته؛ وكذلك متى تساوى أبرعُ قائدِ جيشٍ محنَّكٍ يصنع الانتصارات مع أغبى