420

أجل، فمن كان يتلقى حقائق القرآن إلهامًا بقلبه المنوَّر، وتُفاضُ عليه بإلقاءٍ كليٍّ من الفيّاض المطلق سبحانه، أفيحتاج إلى شيءٍ سوى القرآن معجزِ البيان؟! حاشا؛ ومن كان عنده شبهة في هذا فليتمعَّن في رسائل النور.

لقد أنعم الله تعالى على أستاذنا باقتدارٍ عجيب في تأليفه لرسائل النور، وليس هذا الاقتدار من الخصال التي تتأتى لكل شخص، فلقد ظهرت كل رسالةٍ من هذه الرسائل البديعة في ظروفٍ صعبةٍ مريرةٍ لا تُحتَمل من الغربة والمرض وعدم توفُّر الكُتَّاب، وأُمْلِيَتْ في الجبال وفي البساتين، وبرزتْ بالرغم من عقباتٍ كثيرةٍ ظاهرة، وهبَّتْ لنجدة المؤمنين، فلله الحمد والشكر إذْ أَوْلتِ العناية الإلهيةُ أستاذَنا توفيقًا لا مثيل له، وأحسنتْ إليه أيَّما إحسان، فآتاه الله بِسِرِّ ذلك اقتدارًا قرأ به الكونَ كشفًا وشهودًا بحق اليقين كأنه كتابٌ سماوي، وقرأ به الأرض كأنها صحيفة، وجعله الله تعالى بمحض عنايته صاحبَ مؤلَّفاتٍ قدسيةٍ كهذه.

أجل، ولقد كان الحريُّ بالناس أن يفخروا بوجود هذا الرجل السعيد الذي ينشر الحقائق برسائل النور.. تلك المؤلَّفات البديعة التي حظيت بالقبول والانتشار، والتي تُبيِّن من القرآن المعجِزِ البيان والحاوي للآيات التشريعية: حقائقَه ومعارفَه، وتبيِّن من كتاب الكائنات الكبير الشامل للآيات الكونية: وظائفَه ومعانيَه، والتي تُرغِّب نوع البشر في العروج إلى أعلى درجات معرفةِ الله، بل لقد أنعشتْ بفضل الله قلوبًا خيَّم عليها اليأس والموت.. وإن ما يثير الاستغراب حقًّا بعد هذا كلِّه أن نجد أهل الشقاوة يتجاسرون على دسِّ السم لهذا الرجل، بل يتجرؤون على رميه بالحجارة!!

بلى.. فإنه لما كان أشدَّ الناس ابتلاءً الأنبياءُ، ثم الأمثل فالأمثل، كان من مقتضى الحكمة الإلهية أن تتوالى على ورثة الأنبياء صنوف البلاء، ولقد كان أستاذنا عرضةً لابتلاءاتٍ كثيرة، شأنه في ذلك شأن تلك الزمرة المباركة؛ ومن ذلك أنه توجه مرةً إلى النبع ليتوضأ، وكان ذلك في أول مَقدَمِه إلى «قسطمونو»، فرماه الصبيان بالحجارة