212

غايته وهدفه، ولم يبدِّل شيئًا من هيئتِه وزيِّه، [فُرِض في ذلك الحين قانون الزِّي الذي يُلزِم الرجال ارتداءَ القبعة الأوروبية، ويُجرِّم ارتداء ما سواها كالعمامة والطربوش ونحوهما؛ هـ ت] بل كان على العكس حاملَ مِشعل هدايةٍ يبدد الظلمات ويصحِّح الاعتقادات، فكان ذا جهدٍ وعزمٍ عظيمَينِ؛ لأنَّ وظيفتَهُ وخدمتهُ تتضمنان سعادة الناس ورفاهَهم في الدنيا والآخرة.

***

كان المكان الذي أقام فيه الأستاذ في «بارلا» بيتًا مؤلَّفًا من غرفتين، ولم يكن يملك بيتًا أصلًا، بل لم يكن له على وجه الأرض مقدارُ شبرٍ تحت ملكه أو تصرُّفه؛ فالبيتُ الذي أقام فيه في «بارلا» ثماني سنوات إنما كان المدرسة النوريَّة الأولى، وهي مدرسةٌ تُعدُّ بمثابةِ مركزٍ لثلاثمئةٍ وخمسين مليونًا من أهل الإسلام.

وكان تحت هذه المدرسة عينُ ماءٍ جارية، وتنتصب قُبالتَها شجرة دُلْبٍ باسقة تعانق السماء بثلاثةِ أفرُعٍ ضخمة، وقد أقيم بين أغصانها خُصٌّ صغير، [الخُصُّ: غرفةٌ صغيرةٌ من الخشب أو القصب؛ هـ ت] كان الأستاذ يتخذه في الربيع والصيف مكانًا للاستراحة والتفكُّر والعبادة.

ويحكي المقرَّبون من الأستاذ وطلابُه وأهالي «بارلا»: «كنا نرى الأستاذ ليلًا في الخُصَّةِ التي بين أغصان شجرة الدُّلب المباركة يترنَّم بالتسبيحات والأوراد حتى الصباح، خصوصًا في فصلَي الرَّبيع والصيف، وكُنَّا نراه مع كلِّ صباح بين العصافير التي ترفرف بين الأغصان الكثيفة وكأنها في حالةِ شوقٍ وجذب.. لم نكن نعرف متى ينام ومتى يستيقظ».

كان كثيرًا ما يُلِمُّ به المرض، ولا تكاد تخلو أوقاتُه من الشدائد، وكان مع هذا قليلَ الأكل يجتزئ باليسير من الطعام كالحساء.