381

قد عقدوا معنا أوثق الصلات، يرغب أحدهم في الدين ويحب العمل به رجاءَ أن يوفَّق في حياته الدنيوية ويلقى التيسير في أموره، بل يرغب في الطريقة الصوفية طلبًا للكشف والكرامات!! بمعنى أنه يجعل من رغبته في الآخرة وما فيها من ثمرات الوظائف الدينية دعامةً للحياة الدنيوية وسُلَّمًا للوصول إليها، ولا يدري أن الفوائد الدنيوية المترتبة على الحقائق الدينية، وهي حقائقُ عليها مدارُ السعادتين الدنيوية والأخروية، إنما شأنها أن تكون بمنزلة المرجِّح والمشوِّق لا غير، فإن هي بلغت مرتبةَ أن تكون العلةَ أو المقصِدَ من عمل الخير بطَلَ العمل، أو اختلَّ الإخلاص على الأقل، وفات الثواب.

وإن ثمة أربعين ألفِ شاهدٍ يشهدون أن النور الذي نشرتْه رسائل النور بموازينها وموازناتها، مُخلِّصٌ من وباء هذا العصر المريض المتوحش المشؤوم وبلائه، وهو خيرُ منقذٍ من ظلمه وظلماته، فمن كانوا قريبين من دائرة رسائل النور فلم يدخلوها كان احتمال وقوعهم في التهلكة قويًّا.

نعم، بناءً على إشارة ﴿يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ﴾ [إبراهيم:3] دفع هذا العصرُ أهلَ الإسلام لترجيح الحياةِ الدنيوية على الحياة الأخروية؛ وفُرِض على أهل الإيمان نظامُ حكمٍ خبيثٌ بدأ العمل به في العام 1334 رومي.

أجل، وإن جملة ﴿عَلَى الْآَخِرَةِ﴾ تساوي بحساب الجفر [تعود مسألة حساب الجِفر إلى نظامِ ترميزٍ قديمٍ يرمِّز الأعداد بالأحرف، ويعطي لكلِّ حرفٍ قيمةً عدديةً معينة، بحيث يمكن التعبير عن رقمٍ ما بجملةٍ صحيحةٍ تامةٍ، ويسمى هذا العمل: «التجفير»، أو «التشفير» بلغة اليوم؛ وقد كان أسلوبًا شائعًا مُتَّبعًا في العصور الإسلامية لا سيما المتأخرة منها، وقد أُرِّخَ بهذه الطريقة كثيرٌ من الأحداث الهامة كوَفَيَات العلماء والوقائع الفاصلة وتواريخ بناء المعالم المهمة؛ ويجد القارئ استنباطاتٍ للأستاذ النُّورْسِيّ من بعض الآيات القرآنية حول مسائل معينةٍ وفقًا لهذا الأسلوب، وهو ليس أولَ مَن قام بذلك، على أنه يستعمله على سبيل الاستئناس، وعملًا ببعض مراتب «دلالة الإشارة» التي لا تقتصر على مرتبةِ دلالةٍ واحدة؛ هـ ت] والأبجد 1333 أو 1334، وهذا يتوافق مع بداية النظام السياسي الذي يرجِّح الدنيا على الدين، وقد كان هذا النظام أحد شروط المعاهدة التي أملاها أعداء الإسلام بعد غلبتهم في الحرب العالمية الأولى، وقد ظهرت نتائج ذلك فعليًّا بعد بضع سنين.

سعيد النُّورْسِيّ

***