91

«أيها العساكر الموحِّدون.. إن رايةَ التوحيد وسعادةَ ثلاثين مليون عثمانيٍّ وثلاثمائة مليون مسلم، وشرفَهم وكرامتَهم منوطةٌ -على نحوٍ ما- بطاعتكم، فلئن كان ضباطكم قد ظلموا أنفسهم بذنْبٍ واحد، فأنتم بهذا العصيان والتمرُّد تظلمون ثلاثمئة مليون مسلم، إذْ تُلقون بالأُخوة الإسلامية إلى التهلكة.

اعلموا أن ثكنة الجنود تشبه مصنعًا عظيمًا منتظمًا، فإن وقع عصيانٌ من أحد أجزائه أو مفاصله تحوَّل المصنع بأكمله إلى فوضى عارمة؛ ألا ليس للعسكر أن يتدخلوا في السياسة، وما جرى للجيش الإنكشاري في الماضي خير شاهدٍ على ما أقول.

إنكم تطالبون بالشريعة، لكنكم في واقع الحال تخالفونها وتلطخون سمعتها، فلقد ثبت بالشريعة والقرآن والحديث والحكمة والتجرِبة أن وليَّ الأمر ما دام مستقيمًا متمسكًا بالدين قائمًا بالحق فطاعتُه فرض، فأُولو أمركم وأساتذتُكم هم ضباطكم، فكما أنه إن اقترف مهندسٌ ماهرٌ أو طبيبٌ حاذقٌ ذنبًا لم يتضرر من ذلك طبُّ هذا ولا هندسة ذاك، فكذلك الأمر بالنسبة إليكم، لا تظلموا العثمانيين والمسلمين بالإخلال بطاعةِ ضباطكم المؤمنين المثقفين ذوي الحميَّةِ والفكرِ المنوَّر والتمرُّسِ في فنون الحرب، لمجرَّد وقوع مخالفةٍ شرعيةٍ جزئيةٍ منهم، فالتمرُّد ليس ظلمًا فحسب، بل فيه تعدٍّ على حقوق ملايين الناس.

تعلمون أن راية التوحيد الإلهي في هذا الزمان هي بِيد شجاعتكم، وقوةُ هذه اليد إنما تكون في الطاعة والنظام، فألفُ جنديٍّ منضبطٍ مطيعٍ يضاهون مئة ألف جنديٍّ متسيِّب.. فما الحاجة إلى مثل هذه الثورات التي يُراق فيها الكثير من الدماء، والتي لم يستطع أن يقوم بها ثلاثون مليونًا خلال مئة عامٍ من التاريخ، بينما حققتموها أنتم بطاعتكم من غير إراقةٍ للدماء؟!

وأزيدُكم أيضًا: إن خسارة ضابطٍ وطنيٍّ منوَّرِ الفكر هو ضياعٌ لقوَّتكم المعنوية؛ ذلك أن الحكم اليوم للشجاعة الإيمانية والعقلية والعلمية، فرجلٌ منوَّر الفكر قد يضاهي