65
عنها من غير تردُّد، رغم أنه لم يسبق له الاطلاع على تلك الكتب، ولم يشرع في التحدُّث بالتركية إلا منذ وقتٍ قريب، وذات يومٍ شاهد تلك الكتب، وعرَف أن الوالي يُحضِّر أسئلتَه منها، فتَوَفَّر عليها واستوعب مضامينها في زمنٍ يسير.
وكانت أعظم غاياته وأقصى أمنياته في ذلك الحين أن يُنشئ في «وان» و«بِتْليس» جامعةً باسم «المدرسة الزهراء» تكون على غِرار «الجامع الأزهر» بمصر، وكان يسعى لإخراج هذا المشروع من حيز الفكرة إلى أرض الواقع.
وقد اعتاد قضاء أوقات الصيف بـ«وان» في مصايفَ تُدعى «باشيد» و«بيت الشباب»، وذات مرةٍ حكى لـ«طاهر باشا» عن وجود الثلج على قمم الجبال في تلك الأماكن، فعارضَه قائلًا: لا وجود للثلج مطلقًا هناك في شهر تموز؛ وبينما كان المُلَّا سعيدٌ في تلك المصايف بعد حينٍ من الزمن، تذكَّر مسألته مع «طاهر باشا»، فكتب إليه أول رسالةٍ بالتركية قائلًا: أيها الباشا.. إن الثلج يكسو قمة «باشيد»، فلا تنكِرْ شيئًا لم تَرَه، إذْ لا ينحصر كلُّ شيءٍ في معلوماتك؛ والسلام.
وكان المُلَّا سعيدٌ متى سمع بنزاعٍ بين العشائر بادر من فوره فتدخَّل بينهم بالنُّصْحِ والإرشاد حتى يُصلِح بين الأطراف المتنازعة، حتى إنه صالَحَ بين «شَكَر آغا» و«مصطفى باشا» رئيسِ عشيرة «ميران» اللَّذَيْن عجَزَت الحكومة عن الإصلاح بينهما، وقال لـ«مصطفى باشا»: ألَمْ تَتُبْ بعد؟!
فقال له «مصطفى باشا»: سَيْدا [كلمةٌ كرديَّةٌ تعني الشيخ أو العالِم أو السيد؛ هـ ت].. أنا طَوعُ أمرِك لا أخالفك؛ وأراد أن يقدِّم له فرسًا ومبلغًا من المال، فردَّها قائلًا: ألمْ يبلُغْك أني لا آخذ مالًا من أحد؟! فكيف آخذ المال من ظالمٍ مثلِك؟! وما أراك إلا قد أفسدتَ توبتَك، فلن تصِل إلى الجزيرة.
وبالفعل، فقد مات الرجل في الطريق قبل أن يصل إلى الجزيرة.