66
كان بديع الزمان أعجوبةً في الرياضيات، يَحُلُّ مسائلَها العويصةَ بسرعةِ بديهةٍ، حتى لقد ألَّف رسالةً في علم الجبر والمقابلة، وكان يَحضُر المناقشات الرياضية التي كانت تجري بحضرة الوالي «طاهر باشا»، فيَحُلُّ المسألةَ المطروحة ذهنيًّا قبل أن يتوصَّل الآخرون إلى حلِّها على الورق، وكثيرًا ما اشترك في مثل هذه المسابقات فكان هو الأولَ فيها على الدوام.
وفي إحدى تلك المسابقات طُرِحَتْ مسألةٌ على النحو التالي:
لو فرضنا وجود خمسةَ عشر مسلمًا، وخمسةَ عشر غيرَ مسلم، وقد اصطفوا جميعًا في صفٍّ واحد بحيث يكون خلفَ كلِّ مسلمٍ غيرُ مسلمٍ، وطُلِبَ إجراءُ قرعةٍ بحيث تقع على غير المسلم في كل مرة، فكيف يمكن إجراء التقسيم؟
فأجاب: يوجد لهذا مئةٌ وأربعةٌ وعشرون احتمالًا، وبيَّن كيفيَّة حلِّها، ثم قال: أنا أصوغ مسألةً أشدَّ إشكالًا من هذه، فأجعل احتمالاتِها ألفين وخمسَمئة، فألَّفَ خلال ساعتين مسألةً عددُ أفرادها مئة، خمسون منهم مسلمون، وخمسون غير مسلمين، على أن تقع القرعة في كلِّ مرةٍ على غير المسلمين؛ ثم صاغ مسألةً أفرادُها خمسمئةِ مسلمٍ وخمسمئةٍ غيرُ مسلم، وفيها مئتان وخمسون ألف احتمال، وحرَّرها في رسالةٍ قدَّمها إلى الوالي «طاهر باشا» [احترقتْ تلك الرسالة للأسف بإحدى الحرائق التي نشبت في «وان»؛ المُعِدّون].
كان بديع الزمان أثناءَ إقامته في «وان» يطالع مع واليها الأخبارَ في بعض الصُّحُف، وكان له مزيد اهتمامٍ بما يتعلَّق بالقضايا الإسلامية، وقد تكوَّن لديه من جراء ذلك اطلاعٌ عامٌّ على أحوال العالم الإسلامي، وذات يوم أطْلعَه الوالي على خبرٍ صادمٍ وَرَدَ في إحدى الصُّحُف، مُفاده أن وزير المستعمرات البريطاني أدلى بتصريحٍ في مجلس العموم وبيده نسخةٌ من القرآن الكريم، فقال: «ما دام هذا القرآن بأيدي المسلمين فلن نستطيع أن نُحكِم سيطرتَنا عليهم؛ ينبغي أن ننتزعَه من أيديهم، أو نصرفَهم عنه».