924

أنها تبقى عباراتٍ صادقةً تعبر عما في مكنون القلب من شكرٍ وامتنانٍ لا يتناهيان تجاه الفائدة العظمى التي حصَّلناها من الرسائل، وإلا فإن أَولى مَن يحكم في هذه المسألة إنما هو مؤلِّف الرسائل نفسه.

لقد شهد علماء أجلاء منصفون لرسائل النور بأنها تفسيرٌ قرآنيٌّ متفرِّدٌ يُلبِّي حاجة العصر، وأثنوا عليها ببالغ التقدير والاستحسان، كما سبق أن شهد علماء أفاضل لبديع الزمان بعلو كعبه في العلم والدراية كما جرى للشيخ «محمد بخيت المطيعي» مفتي الديار المصرية حين التقى به قبل قرابة نصف قرن.

ولا يفوتنا في هذا المقام التذكير بالدستور الذي التزمه بديع الزمان طَوالَ حياته، ألا وهو الترفُّع عن قبول الأُعطيات، وعدم قبول الهدية إلا بشرط المكافأة عليها، وقد شهد له بذلك حتى خصومُه، وأقروا له بأنه فنَّد بموقفه العملي هذا التهمةَ التي لطالما رددها أعداء الإسلام عن أهل العلم، وضرب مثلًا يُحتذى في صون العلم عن الابتذال والتكسُّب به، وحافظ على عزة الإسلام والإيمان في وجه أعتى الطغاة الظَّلَمة، ولم يُخِلَّ بقاعدة الاستغناء التي سار عليها حتى في أشد ظروفه قسوة، فاستغنى عن أموال الناس قائلًا: إن الاقتصاد والقناعة كنزان عظيمان تكفيني بركاتُهما.

إن ما تعرض له بديع الزمان على مدى السنين الطِّوالَ، من سجونٍ أُدخِلَها، وزنازين زُجَّ بها، ومَنافٍ سيق إليها، وظلمٍ وتضييقٍ وأذًى لَقِيَه، ومحاولاتِ تسميمٍ تعرض لها حتى بلغت سبع عشرة محاولة.. كلُّ ذلك دليلٌ ساطعٌ وبرهانٌ حيٌّ على صدقه وأحقِّيةِ دعوته؛ ونستشهد في هذا الباب بموقفٍ جرى لأحد الأفاضل في الهند إذْ سُئل أمام جمعٍ من الناس: من هو بديع الزمان؟ فأجاب: هو رجلٌ صاحبُ دعوةٍ، عزيزٌ متعففٌ لا يقبل صدقةً ولا هدية، وقد أنهكه المرض، وطعن في السن، وعاش حياته في الغربة، وعانى الفقر، وقاسى الظلم، لكنه برغم هذا كلِّه ما يزال منذ ستين سنةً ثابتًا على دعوته لم يَحِد عنها!! فقالوا له: إنَّ مَن هذه حالُه لا بد أن يكون رجلًا يصدع بالحق،