283

ظهور الأذان الجديد، ثم ظهر الأذان الجديد، [يقصد حَظْرَ شعيرتَي الأذان والإقامة، واستبدالَهما بصيغةٍ أخرى بألفاظٍ تركية، وقد صدر القرار بذلك في 18 تموز/يوليو 1932م؛ هـ ت] فقلتُ: إن هذه الرسالة خصوصية، ومَنعتُ نَشْرَها.

ومن ذلك أيضًا أنني حين كنتُ في «دار الحكمة الإسلاميَّة» كتبتُ جوابًا على اعتراضٍ آتٍ من أوروبا حول آيةِ الحجاب، ثم أَخفيتُ رسالةَ الحجاب الوجيزةَ هذه المسمَّاةَ «اللمعةَ الرابعة والعشرين»، وكانت أُخِذَتْ من الرسائل المطبوعة قديمًا، وسُجِّلتْ كإحدى مسائل «اللمعة السابعة عشرة»، أخفيتُها قبلَ سنةٍ من الآن لئلا تَمسَّ القوانين في المستقبل؛ إلا أنها أُرسلتْ على نحوٍ ما إلى إحدى الجهات بطريق الخطأ؛ هذا مع العلم أنها جوابٌ علميٌّ مُفحِم على اعتراضِ المدنيَّة على الآية القرآنيَّة، وما ينبغي بحالٍ أن تُقيَّد الحريَّة العلميَّة في عهد الجمهوريَّة.

الدليل الخامس: اختياري الانزواءَ بقريةٍ منذُ تسع سنوات، ورغبتي في التجرد من السياسة والحياة الاجتماعية، وعدمُ قيامي بأيِّ مراجعةٍ للجهات الرسمية في هذه السنوات العشر لئلا أتدخَّل في دنيا السياسة، وقد تحمَّلتُ في سبيل هذا جميعَ صنوف الاضطهاد والأذى المنهالَةِ عليَّ مراتٍ عديدةً كهذه المرَّة، ولو أنني راجعتُ هذه الجهات لأمكنني أن أقيم في اسطنبول بدلًا من «بارلا».

ولعلَّ سببَ توقيفي الجائر هذه المرَّة أن والي «إسبارطة» وبعضَ مسؤولي الحكومة ساءَهم وجرحَ كبرياءَهم عدمُ مراجعتي إياهم، فجعلوا من الحبَّة قبَّةً لحقدهم وقلةِ حيلتهم، وأثاروا هواجس وزارة الداخلية نحوي.

الحاصل: يعلم جميعُ أصحابي الذين يلازمونني أنَّ مجرَّد التَّفكير في السياسة -فضلًا عن التدخل فيها أو مباشرتها- يخالف مقصِدي الأساسي وأحوالي الروحيَّة وخدمتي الإيمانيَّة القدسيَّة، بل لا يناسبني؛ فلقد أُعطِيتُ نورًا ولم أُعْطَ هِراوة سياسة.